اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ} (2)

قوله : { مَآ أغنى } . يجوز في «مَا » النَّفي ، والاستفهام ، فعلى الاستفهام يكون منصوب المحل بما بعدها ، التقدير : أي شيء أغنى المال ، وقدم لكونه له صدر الكلام .

وقوله : { وَمَا كَسَبَ } : يجوز في «مَا » هذه أن تكون بمعنى «الَّذي » ، والعائد محذوف ، وأن تكون مصدرية ، أي : وكسبه ، وأن تكون استفهامية : بمعنى وأي شيء كسب ؛ أي : لم يكسب شيئاً ، قاله أبو حيان{[61071]} ، فجعل الاستفهام بمعنى النفي ، فعلى هذا يجوز أن تكون نافية ، ويكون المعنى على ما ذكر ، وهو غير ظاهر .

وقرأ ابن مسعود{[61072]} والأعمش : «وما اكتسبَ » .

فصل في معنى الآية

المعنى : ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، ولا ما كسب من الجاه . وقال مجاهد : وما كسب من مال ، وولد الرجل من كسبه .

وقال أبو الطفيل : جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس - رضي الله عنه - فاقتتلوا ، فقام يحجز بينهم ، فدفعه بعضهم فوقع على الفراشِ ، فغضب ابن عباس ، وقال : أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ ، يعني ولد أبي لهب{[61073]} .

وقال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ »{[61074]} .

وقال ابن عباس : لما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بالنَّار ، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي ، فنزل : { مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }{[61075]} .

قال الضحاك : ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله ، وعمله الخبيث : يعني كيده ، وعداوة رسول الله .

/خ5


[61071]:ينظر: البحر المحيط 8/527.
[61072]:ينظر: المحرر الوجيز 5/534، والبحر المحيط 8/527، والدرالمصون 6/586.
[61073]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/735).
[61074]:تقدم.
[61075]:ذكره الرازي في "تفسيره" (32/170).