التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ يصرف } مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير { من } على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور ب« عن » عائد إلى { مَن } أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله : { يصرف } .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف { يصرف } بالبناء للفاعل على أنّه رافع لضمير { ربّي } على الفاعلية .

أمّا الضمير المستتر في { رحمَهُ } فهو عائد إلى { ربّي } ، والمنصوب عائد إلى { مَن } على كلتا القراءتين .

ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها .

والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله : { إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم } كأنّه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي ، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فرداً من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم .

ولذلك عقّبه بقوله : { وذلك الفوز المبين } . والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله : { من يصرف عنه } أو إلى المذكور . وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزاً لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز } [ آل عمران : 185 ] . و { المبين } اسم فاعل من أبان بمعنى بان .