البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه } قرأ حمزة وأبو بكر والكسائي { من يصرف } مبنياً للفاعل فمن مفعول مقدم والضمير في { يصرف } عائد على الله ويؤيده قراءة أبي { من يصرف } الله وفي { عنه } عائد على العذاب والضمير المستكن في { رحمه } عائد على الرب أي أيّ شخص يصرف الله عنه العذاب فقد رحمه الرحمة العظمى وهي النجاة من العذاب ، وإذا نجّى من العذاب دخل الجنة ويجوز أن يعرب { من } مبتدأ والضمير في { عنه } عائد عليه ، ومفعول { يصرف } محذوف اختصاراً إذ قد تقدّم في الآية قبل التقدير أي شخص يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه ، وعلى هذا يجوز أن يكون من باب الاشتغال فيكون { من } منصوباً بإضمار فعل يفسره معنى { يصرف } ويجوز على إعراب { من } مبتدأ أن يكون المفعول مذكوراً ، وهو { يومئذ } على حذف أي هول يومئذ فينتصب { يومئذ } انتصاب المفعول به .

وقرأ باقي السبعة { من يصرف } مبنياً للمفعول ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى ، فحذف للعلم به أو للإيجاز إذ قد تقدّم ذكر الرّب ويجوز في هذا الوجه أن يكون الضمير في { يصرف } عائداً على { من } وفي { عنه } عائداً على العذاب أي أيّ شخص يصرف عن العذاب ، ويجوز أن يكون الضمير في { عنه } عائداً على { من } والضمير في { يصرف } عائداً على العذاب أيّ أيّ شخص يصرف العذاب عنه ، ويجوز أن يكون الضميران عائدين على { من } ومفعول { يصرف } { يومئذ } وهو مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في { يومئذ } تنوين عوض من جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق التقدير يوم ، إذ يكون الجزاء إذ لم يتقدّم جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضاً عنها ، وتكلم المعربون في الترجيح بين القراءتين على عادتهم فاختار أبو عبيد وأبو حاتم وأشار أبو عليّ إلى تحسينه قراءة { يصرف } مبنياً للفاعل لتناسب { فقد رحمه } ولم يأت فقد رحم ويؤيده قراءة عبد الله وأبي { من يصرف } الله ورجح الطبري قراءة { يصرف } مبنياً للمفعول قال : لأنها أقل إضماراً .

قال ابن عطية : وأما مكي بن أبي طالب فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة .

قال ابن عطية : وهذا توجيه لفظي يشير إلى الترجيح تعلقه خفيف ، وأما المعنى فالقراءتان واحد ؛ انتهى .

وقد تقدّم لنا غير مرّة إنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين .

وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً كان لا يرى الترجيح بين القراءات السبع .

وقال : قال ثعلب من كلام نفسه إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة ، لم أفضل إعراباً على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ونعم السلف لنا ، أحمد بن يحيى كان عالماً بالنحو واللغة متديناً ثقة .

{ وذلك الفوز المبين } الإشارة إلى المصدر المفهوم { من يصرف } أي وذلك الصرف هو الظفر والنجاة من الهلكة و { المبين } البين في نفسه أو المبين غيره .