التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (71)

هذه تقابل قوله : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] لبيان أنّ الطائفة التي ينالها العفو هي الملتحقة بالمؤمنين .

فالجملة معطوفة على جملة : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] وما بينهما جمل تسلسل بعضها عن بعض .

وقوله : { بعضهم أولياء بعض } مقابل قوله : في المنافقين { بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] . وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام ، فهم فيها على السواء ليس واحد منهم مقلّداً للآخر ولا تابعاً له على غير بصيرة لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص والتناصر بخلاف المنافقين فكأنّ بَعضَهم ناشىء من بعض في مذامّهم .

وزيد في وصف المؤمنين هنا { يقيمون الصلاة } تنويهاً بأنّ الصلاة هي أعظم المعروف .

وقوله : { ويؤتون الزكاة } مقابل قوله في المنافقين { ويقبضون أيديهم } [ التوبة : 67 ] .

وقوله { ويطيعون الله ورسوله } مقابل قوله في المنافقين { نسوا الله } [ التوبة : 67 ] لأنّ الطاعة تقتضي مراقبة المطاع فهي ضدّ النسيان .

وقوله : { أولئك سيرحمهم الله } مقابل قوله في المنافقين { فنسيهم } [ التوبة : 67 ] .

والسين لتأكيد حصول الرحمة في المستقبل ، فحرف الاستقبال يفيد مع المضارع ما تفيد ( قد ) مع الماضي كقوله : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] .

والإشارةُ للدلالة على أنّ ما سيرد بعد اسم الإشارة صاروا أحرياءَ به من أجللِ الأوصاف المذكورة قبل اسم الإشارة .

وجملة : { إن الله عزيز حكيم } تعليل لجملة { سيرحمهم الله } أي : أنّه تعالى لعزّته ينفع أولياءه وأنّه لحكمته يضع الجزاء لمستحقّه .