اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (71)

روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتَّبِعُنَّ سُنَنَ من قبلكمُ شِبْراً بِشبرٍ ، وذِرَاعاً بذرَاع ، حتَّى إذا دخلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لاتَّبعْتُموهُمْ " قيل : يا رسول الله اليهود والنصارى قال : " فَمَنَّ ؟ " وفي رواية أبي هريرة : فهل النَّاسُ إلاَّ هُمْ{[17973]} ؟ فلهذا قال في المنافقين " بَعْضُهم من بَعْضٍ " ، وقال في المؤمنين : " بَعْضُهمْ أولياءُ بَعْض " أي : في الدِّين واتفاق الكلمة ، والعون ، والنصرة ، " يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ " بالإيمان والطَّاعة والخير ، وقد تقدَّم الكلام على " يَأمُرونَ بالمَعْرُوفِ " . " ويَنْهونَ عن المُنكَرِ " عن الشِّرك والمعصية ، وما لا يعرف في الشَّرع " ويُقِيمُونَ الصَّلاة " المفروضة { وَيُؤْتُونَ الزكاة وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله } فالسين للاستقبال ، إذ المراد رحمةٌ خاصةٌ ، وهي ما خبَّأه لهم في الآخرة . وادَّعَى الزمخشريُّ : أنَّها تُفيدُ وجوب الرحمةِ وتوكيد الوعدِ والوعيد ، نحو : سأنتقم منك ، يعني لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونظيره : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً } [ مريم : 96 ] { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ } [ الضحى : 5 ] { سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } [ النساء : 152 ] .

ثم قال : { إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وذلك يوجبُ المبالغة في التَّرغيب والتَّرهيب ؛ لأنَّ العزيز هو الذي لا يمنعُ من مراده في عباده من رحمة أو عقوبة ، والحكيمُ هو المدبر أمر عبادة على ما تقتضيه الحكمة .


[17973]:أخرجه البخاري (13/312-313) كتاب الاعتصام: باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (7320) ومسلم 4/2054 كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى (6-2669).