تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (71)

وقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) يحتمل قوله : ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) على الإيجاب و الإخبار أن الدين الذي اعتقدوا وتمسكوا به يوجب لهم الولاية ويصير بعضهم أولياء بعض كقوله : ( إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم )الآية[ آل عمران : 103 ] وقوله ( إنما المؤمنون إخوة )[ الحجرات : 10 ] ونحوه ، فهي أخوة الدين وولايته .

ويحتمل قوله : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) على الأمر ؛ أي اتخذوا بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا غيرهم أولياء كقوله : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء )[ المائدة : 51 ] . وقوله : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )[ الممتحنة : 1 ] نهى المؤمنين أن يتخذوا أولياء من غيرهم فكأنهم أمر أن يتخذ المؤمنون بعضهم بعضها أولياء ، ولا يتخذوا من غيرهم .

ثم تحتمل الولاية وجهين :

[ أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : ولاية روحانية وهي ولاية في الدين توجب مراعاة تحديث بالدين وحفظها .

والثانية ولاية نفسانية هي الولاية التي تكون في الأنفس والأموال من نحو ولاية النكاح والميراث وغيره ؛ فهذه الولاية هي الولاية النفسانية التي كانت بالرحم و النسب فإذا اجتمعوا في دين واحد وجبت تلك الولاية لهم ، وهو الولاية نفسها .

والولاية الروحانية هي المحبة والمودة ، فيجب [ مراعاة الدين بها ][ في الأصل وم : مراعاته بالدين ] وتعهده . وهذا كما تقول : حياة روحانية وحياة جسدانية . والحياة الروحانية هي العلم والآداب ، ترى أشياء وتعرفها من بعد . والحياة الجسدانية في الروح الذي به يحيى الجسد وبذهابه يموت الجسد .

وقوله تعالى : ( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) يحتمل المعروف الذي توجبه العقول ، وهو التوحيد لله والإيمان به ( وينهون عن المنكر ) ينهون عما تنكره[ في الأصل وم : تنكر به ] العقول ، وهو الشرك بالله والتكذيب له . وهذا الأمر بالمعروف والنهي والمنكر هو في ما بين الكفرة ، يأمرهم المؤمنون بذلك ، ويدعونهم إلى ذلك ، وينهون[ في الأصل وم : وينهاهم ] عن ضد ذلك وإن كان في ما بين المؤمنين ، فهو أمر شرع ، يأمر بعضهم بعضا بما جاء به الشرع ، وينهاه عن ما لم يجئ به الشرع ، أو يأمر بعضهم بعضا بكل خير وبر وينهى عن كل شر ومعصية .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) في كل أمره ونهيه ( أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ ) وعد أنه يرحمهم ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) قيل : ( عزيز ) ترى آثار عزه في كل شيء ( حكيم ) ترى آثار رحمته وتدبيره في كل شيء .