وبعد أن تحدثت السورة الكريمة عن أحوال المنافقين ، وصفاتهم ، وسوء عاقبتهم . . أتبعت ذلك بالحديث عن المؤمنين الصادقين ، وعما أعده الله لهم من نعيم مقيم ، فقال - سبحانه - : { والمؤمنون والمؤمنات . . . هُوَ الفوز العظيم } .
قال الإِمام ابن كثير : لما ذكر - سبحانه - صفات المنافقين الذميمة ، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال : { والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } .
أى : يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وفى الصحيح - أيضا - : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " .
وقال - سبحانه - هنا { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } بينما قال في المنافقين { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } للإِشعار بأن المؤمنين في تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفعون بدافع العقيدة الدينية التي ألفت بين قلوبهم ، وجعلتهم أشبه ما يكون بالجسد الواحد ، أما المنافقون في توجد بيهم هذه الروابط السامية ، وإنما الذي يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى ، والسير رواء العصبية الممقوتة ، فهم لا ولاية بينهم ، وإنما الذي بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله { يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر . . . } بيان للآثار التي تترتب على تلك الولاية الخاصة ، وتفصيل للصفات الحسنة التي تحلى بها المؤمنون والمؤمنات .
أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم . . من صفاتهم { يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع ، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإِسلام الحنيف .
وقوله : { وَيُقِيمُونَ الصلاة } أى : يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع . .
وقوله : { وَيُؤْتُونَ الزكاة } أى : يعطونها لمستحقيها بدون منِّ أو أذى . .
وقوله : { وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ } أى : في سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل . .
وقوله : { أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بيان للجزاء الطيب الذي ادخره الله - تعالى - لهم .
أى : أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية ، سيرحمهم الله - تعالى - برحمته الوساعة ، إنه - سبحانه - " عزيز " لا يعجزه شئ " حكيم " في كل أفعاله وتصرفاته .
قال صاحب الكشاف : والسين هنا مفيد لوجود الرحمة ، فهى تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد كما في قولك : سأنتقم منك يوما ، تعنى أنك لا تفوتنى وإن تباطأ ذلك ، ونحوه : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.