فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (71)

{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف واتفاق الكلمة والعون والنصر بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله . قال ابن عباس : آخاهم في الله يتحابون بجلال الله والولاية له فظهر الفرق بين الفريقين .

ثم بين أوصافهم الحميدة كما بين أوصاف من قبلهم من المنافقين فقال : { يأمرون بالمعروف } أي بما هو معروف في الشرع غير منكر ، ومن ذلك توحيد الله سبحانه وترك عبادة غيره { وينهون عن المنكر } أي عما هو منكر في الدين غير معروف أي جنس المعروف وجنس المنكر الشاملين لكل خير وشر ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحاديث ما هو معروف .

{ ويقيمون الصلاة } المفروضة ويتمون أركانها وحدودها فلا يزالون يذكرون الله سبحانه فهو في مقابلة ما سبق من قوله نسوا الله { ويؤتون الزكاة } الواجبة عليهم وهو في مقابلة قوله : { يقبضون أيديهم } قيل خصصهما بالذكر من جملة العبادات لكونهما الركنين العظيمين فيما يتعلق بالأبدان والأموال ، وقد تقدم معنى هذا .

{ ويطيعون الله ورسوله } في جميع ما أمرهم بفعله أو نهاهم بتركه ، وهذا في مقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة .

{ أولئك } يعني المؤمنين والمؤمنات المتصفين بهذه الأوصاف الفاضلة { سيرحمهم الله } السين للمبالغة في إنجاز الوعد والدلالة على تحقق ذلك وتقرره بمعونة المقام كما هنا إذ السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخير ، فإذا كان المقام ليس مقام تأخير لكونه بشارة ووعدا تمحضت لتأكيد الوقوع أي وقوع ما وعد به من الرحمة والرضوان وما أعد لهم من النعيم المقيم في الجنان .

{ إن الله عزيز } لا يغالب ولا يعجزه شيء عن إنجاز وعده ووعيده { حكيم } في أفعاله وأقواله لا يضع شيئا إلا في محله ، وفيه ترغيب وترهيب وتعليل لقوله سيرحمهم الله .