المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

وأما قوله { قل من كان في الضلالة } الآية فقول يحتمل معنيين ، أحدهما أن يكون بمعنى الدعاء والابتهال كأنه يقول الأضل منا أو منكم «مد » الله له أي أملى له حتى يؤول ذلك إلى عذابه ، والمعنى الأخر أن يكون بمعنى الخبر كأنه يقول من كان ضالاً من الأمم فعادة الله فيه أنه «يمد » له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة ، فاللام في قوله { فليمدد } على المعنى الأول لام رغبة في صيغة الأمر ، وعلى المعنى الثاني لام أمر دخلت في معنى الخبر ليكون أوكد وأقوى وهذا موجود في كلام العرب وفصاحتها .

{ حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }

{ حتى } في هذه الآية حرف ابتداء دخلت على جملة وفيها معنى الغاية ، و { إذا } شرط ، وجوابها في قوله { فسيعلمون } والرؤية رؤية العين ، و { العذاب } و { الساعة } بدل من { ما } التي وقعت عليها { رأوا } و { إما } هي المدخلة للشك في أول الكلام والثانية عطف عليها ، و { العذاب } يريد به عذاب الدنيا ونصرة المؤمنين عليهم ، و «الجند » النصرة والقائمون بأمر الحرب ، و { شر مكاناً } بإزاء قولهم { خير مقاماً } [ مريم : 73 ] { وأضعف جنداً } بإزاء قولهم { أحسن ندياً } [ مريم : 72 ]