قوله : { مَن كَانَ فِي الضلالة }{[22317]} . " مَنْ " يجوز أن تكون شرطية{[22318]} ، وهو الظاهر ، وأن تكون موصولة ، ودخلت الفاء في الخبر ، لما تضمنه الموصول من معنى الشرط{[22319]} .
وقوله : " فَلْيَمْدُدْ " فيه وجهان :
أحدهما : أنه طلب على بابه ، ومعناه الدعاء{[22320]} .
والثاني : لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر{[22321]} . قال الزمخشري : أي{[22322]} : مدَّ له الرحمن بمعنى أمهلهُ " وأمْلَى له في العمر " {[22323]} فأخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك . . . أو فيمد له في معنى الدعاء بأن يمهله الله وينفس في مدة حياته{[22324]} .
قوله : { حتَّى إذَا } في " حتَّى " هذه ما تقدم في نظائرها من كونها حرف جر{[22325]} أو حرف ابتداء{[22326]} ، وإنَّما الشأن فيما هي{[22327]} غاية له في كلا القولين .
فقال الزمخشري : وفي هذه الآية وجهان :
الأول : أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها ، والآيتان اعتراض بينهما ، أي : قالوا : " أي الفَريقِيْنِ خيرٌ مقَاماً وأحْسَنُ نديًّا " ، " حتَّى إذَا رَأوْا ما يُوعَدُون " ، أي : لا يبرحون{[22328]} يقولون هذا القول ، ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعد رأي العين{[22329]} .
فقوله{[22330]} : { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } مذكور في مقابلة قوله{[22331]} { خَيْرٌ مَقَاماً } ، وأضْعَفُ جُنْداً " في مقابلة قولهم : " وأحْسَنُ نَدِيًّا " . فبين تعالى أنَّهم{[22332]} إن{[22333]} ظنوا في الحال أنَّ مَنزلتهم أفضل من حيث فضلهم الله بالمقام والندي ، فسيعلمون من بعد أنَّ الأمر بالضد من ذلك وأنَّهم شر مكاناً ، فإنَّه لا مكان شر من النار والمناقشة في الحساب ، " وأضْعَفُ جُنْداً " فقد كانوا يظنون وهم في الدنيا أنَّ اجتماعهم ينفع ، فإذا رأوا أن لا ناصر لهم في الآخرة عرفوا عند ذلك أنهم كانوا في الدنيا مبطلين فيما ادعوه{[22334]} {[22335]} .
" ثم قال{[22336]} : " {[22337]} والثاني : أن تتصل بما يليها ، والمعنى أنَّ الذين في الضلالة{[22338]} ممدود لهم ، ثم ذكر كلاماً كثيراً{[22339]} ، ثم قال{[22340]} : إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين ، أو يشاهدوا{[22341]} الساعة ومقدماتها ، فإن قلت{[22342]} : " حتَّى " هذه ما هي ؟ قلتُ{[22343]} : هي التي تُحْكى بعدها الجمل ، ألا ترى أنَّ الجملة الشرطية واقعة بعدها ، وهي " إذَا رَأوْا ما يُوعَدُون فَسَيَعْلمُونَ " {[22344]} قال أبو حيان : مستبعداً الوجه{[22345]} الأول ، وهو في غاية البعد ، لطول الفصل بين قوله{[22346]} : { أيُّ الفَرِيقَيْنِ } وبين الغاية ، وفيه الفصل بجملتي اعتراض ، ولا يجيزه أبو علي{[22347]} .
وهذا{[22348]} الاستبعاد قريب{[22349]} .
وقال{[22350]} أبو البقاء : " حتَّى " تَحكي ما بعدها ههنا ، وليست متعلقة بفعل{[22351]} .
قوله : { إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة } تقدم الكلام في " إمَّا " من كونها حرف عطف أو لا{[22352]} ، ولا خلاف أنَّ أحد معانيها التفصيل كما في الآية الكريمة .
و " العَذَابَ " و " السَّاعَةَ " بدلاً من قوله : { مَا يُوعَدُون } المنصوبة ب " رَأوا " {[22353]} ، و " فَسَيعْلَمُونِ " جواب الشرط{[22354]} . " مَنْ هُو شرٌّ مكاناً " يجوز أن تكون " مَنْ " موصولة بمعنى " الَّذي " ، ويكون مفعولاً ل " يَعْلَمُونَ " {[22355]} ويجوز أن تكون استفهامية في محل رفع بالابتداء ، و " هُوَ " مبتدأ ثان ، و " شرٌّ " خبره ، والمبتدأ والخبر خبر الأول ، ويجوز أن تكون الجملة معلقة لفعل الرؤية ، فالجملة في محل نصب على التعليق .
قال المفسرون : مَدَّ له الرحمن ، أي : أمهله ، وأملى له في الأمر ، فأخرج على لفظ الأمر ومعناه الخبر ، أي : يدعه في طغيانه ، ويمهله في كفره { حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العذاب } وهو الأسر ، والقتل في الدنيا ، و " إمَّا السَّاعةَ " يعني القيامة ، فيدخلون النار{[22356]} .
وقوله{[22357]} : { وإمَّا{[22358]} السَّاعة{[22359]} } يدلُّ على أنَّ المراد بالعذاب عذاب يحصل قبل{[22360]} يوم القيامة ، فيحتمل أن يكون المراد به الأسر والقتل كما تقدم ، ويحتمل أن يكون عذاب القبر ، ويمكن أن يكون تغير أحوالهم من العز إلى الذُّل ، ومن الغنى إلى الفقر ، ومن الصحة إلى المرض ، ومن الأمن إلى الخوف{[22361]} . " فَسَيَعْلمُونَ " عند ذلك " مَنْ هُو شرٌّ مكاناً " منزلاً ، " وأضْعَفُ جُنْداً " أقل ناصراً ، لأنَّهم في النار والمؤمنون في الجنة ، وهذا ردٌّ عليهم في قولهم : { أيُّ الفريقَيْن خيرٌ مَقَاماً وأحْسَنُ نَدِيًّا } .
قوله : { ويزيد الله }{[22362]} في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها لا محل لها ، لاستئنافها ، فإنها سيقت للإخبار بذلك .
وقال{[22363]} الزمخشري : إنها معطوفة على موضع " فليمدد " ، لأنه واقع موقع الخبر ، تقديره من كل في الضلالة يمد له الرحمان مدّا ويزيد ، أي : في ضلالهم بذلك المد{[22364]} .
قال أبو حيان : ولا يصح أن يكون " ويزيد " معطوفا على " فليمدد " {[22365]} سواء كان دعاء أو خبرا بصورة الأمر ؛ لأنه في موضع الخبر إن كانت " من " موصولة ، أو في موضع الجواب إن كانت " من " {[22366]} شرطية ، وعلى كلا التقديرين{[22367]} فالجملة من قوله { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } عارية من ضمير يعود على " من " يربط{[22368]} جملة الخبر بالمبتدأ ، أو{[22369]} جملة الشرط بالجزاء ، " الذي هو " فليمدد " ، و ما عطف عليه ، لأن المعطوف على الخبر خبر ، والمعطوف على جملة الجزاء " {[22370]} جزاء ، وإذا كانت أداة الشرط اسما لا ظرفا تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره{[22371]} أو ما يقوم مقامه ، وكذا في الجملة المعطوفة عليها{[22372]} .
وذكره أبو البقاء{[22373]} - أيضا – كما ذكر الزمخشري . قال شهاب الدين : وقد يجاب عما قالاه بأنا نختار على هذا التقدير أن تكون " من " {[22374]} شرطية . وقوله : " ولا بد{[22375]} من ضمير يعود على اسم الشرط غير{[22376]} الظرف " ممنوع لأن فيه خلافا تقدم تحقيقه ، ودليله في سورة البقرة فيكون الزمخشري وأبو البقاء من القائلين بأنه لا يشترط{[22377]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.