{ قُلْ مَن كَانَ في الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً } لما بيّن عاقبةَ أمرِ الأمم المهلَكة مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظِ العاجلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب هؤلاء المفتخِرين بما لهم من الحظوظ ببيان مآلِ أمر الفريقين ، إما على وجه كليَ متناولٍ لهم ولغيرهم من المنهمكين في اللَّذة الفانية المبتهجين بها على أن ( مَن ) على عمومها ، وإما على وجه خاصَ بهم على أنهم عبارةٌ عنهم ووصفُهم بالتمكن لذمهم والإشعارِ بعلة الحُكم ، أي مَنْ كان مستقراً في الضلالة مغموراً بالجهل والغَفلةِ عن عواقب الأمورِ فليمدُد له الرحمن أي يمُدّ له ويُمهِله بطول العمُرِ وإعطاءِ المال والتمكينِ من التصرفات ، وإخراجُه على صيغة الأمر للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحِكمة لقطع المعاذير كما ينبئ عنه قوله عز وجل : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } أو للاستدراج كما ينطق به قوله تعالى : { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } وقيل : المرادُ به الدعاءُ بالمد والتنفيس ، واعتبارُ الاستقرارِ في الضلال لما أن المد لا يكون إلا للمُصِرّين عليها إذ رُبّ ضالَ يهديه الله عز وجل ، والتعرضُ لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية ، وقوله تعالى :
{ حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } غايةٌ للمدّ الممتدِّ لا لقول المفتخِرين كما قيل ، إذ ليس فيه امتدادٌ بحسب الذات وهو ظاهرٌ ولا استمرارٌ بحسب التكرار لوقوعه في حيّز جوابِ إذا ، وجمعُ الضمير في الفعلين باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفرادَ في الضميرين الأولين باعتبار لفظِها وقوله تعالى : { إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة } تفصيلٌ للموعود بدلٌ منه على سبيل البدل فإنه إما العذابُ الدنيويُّ بغلَبة المسلمين واستيلائِهم عليهم وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسْراً ، وإما يومُ القيامة وما لهم فيه من الخزي والنَّكالُ على منع الخلوّ دون منع الجمعِ ، فإن العذابَ الأخرويَّ لا ينفك عنهم بحال وقوله تعالى : { فَسَيَعْلَمُونَ } جوابُ الشرط والجملةُ محكيةٌ بعد حتى ، أي حتى إذا عاينوا ما يوعَدون من العذاب الدنيويِّ أو الأخرويِّ فقط فسيعلمون حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } من الفريقين بأن يشاهدوا الأمرَ على عكس ما كانوا يقدّرونه فيعلمون أنهم شرٌ مكاناً لا خيرٌ مقاماً { وَأَضْعَفُ جُنداً } أي فئةً وأنصاراً لا أحسنُ ندِياً كما كانوا يدّعونه ، وليس المرادُ أن له ثمّةَ جنداً ضعفاءَ كلا { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } وإنما ذُكر ذلك رداً لما كانوا يزعمون أن لهم أعواناً من الأعيان وأنصاراً من الأخيار ويفتخرون بذلك في الأندية والمحافل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.