الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

قوله : { مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ } : " مَنْ " يجوز ان تكونَ شرطيةً ، وهو الظاهر ، وأن تكونَ موصولةً ، ودخلت الفاءُ في الخبرِ لِما تَضَمَّنه الموصولُ مِنْ معنى الشرط . وقولُه : " فَلْيَمْدُدْ " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه طَلَبٌ على بابه ، ومعناه الدُّعاءُ . والثاني : لفظُه لفظُ الأمرِ ، ومعناه الخبر . قال الزمخشري : أي : مَدَّ له الرحمنُ ، بمعنى أَمْعَلَه فأُخْرِجَ على لفظِ الأمرِ إيذاناً بوجوبِ ذلك . أو فَمُدَّ له في معنى الدعاء بأن يُمْهِلَه الله ويُنَفِّسَ في مدةِ حياتِه " .

قوله : " حتى إذا " في " حتى " هذه ما تقدَّمَ في نظائرِها مِنْ كونِها : حرفَ جرٍّ أو حرفَ ابتداءٍ ، وإنما الشأنُ فيما هي غايةٌ له على كلا القولين . فقال الزمخشري : " وفي هذه الآيةِ وجهان : أن تكونَ موصولةً ، بالآيةِ التي هي رابِعَتُها ، والآيتان اعتراضٌ بينهما ، أي : قالوا : أيُّ الفريقينِ خيرٌ مقاماً وأَحْسَنُ نَدِيَّاً ، حتى إذا رَأَوْا ما يُوْعَدون ، أي : لا يَبْرَحون يقولون هذا القولَ ويَتَوَلَّعُون [ به ] لا يَتَكَافَوْن عنه إلى أن يُشاهدون الموعودَ رأيَ العينِ " وذكر كلاماً حسناً .

ثم قال : " والثاني : أن تتصلَ بما يليها ، والمعنى أنَّ الذينَ في الضلالةِ ممدودٌ لهم " وذكر كلاماً طويلاً . ثم قال : " إلى أَنْ يُعايِنوا نُصْرَةَ / اللهِ للمؤمنين ، أو يشاهدوا السَّاعة ومُقَدِّماتها . فإنْ قلت : " حتى " هذه ما هي ؟ قلت : هي التي تُحْكى بعدها الجملُ ، ألا ترى الجملةَ الشرطيةَ واقعةً بعدها ، وهي { إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ . . . فَسَيَعْلَمُونَ } .

قال الشيخ : - مُسْتبعداً للوجه الأول- " وهو في غاية البُعْدِ لطولِ الفَصْلِ بين قولِه : " قالوا أيُّ الفريقينِ " وبين الغايةِ ، وفيه الفصلُ بجملتيْ اعتراَض ولا يُجيزه أبو علي " . وهذا الاستبعادُ قريبٌ . وقال أبو البقاء : " حتى " يُحْكَى ما بعدها ههنا ، وليست متعلقةً بفعلٍ " .

قوله : { إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ } قد عَرَفْتَ [ ما ] في " إمَّا " : من كونِها حرفَ عطفٍ أولا ، ولا خلاف أن أحدَ معانيها التفصيل كما في الآية الكريمة . و " العذابَ " و " الساعةَ " بدلانِ مِنْ قوله : { مَا يُوعَدُونَ } المنصوبةِ ب " رَأَوْا " و " فَسَيَعْلمون " جوابُ الشرط .

و { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } يجوز أَنْ تكونَ " مَنْ " موصولةً بمعنى الذي ، وتكونَ مفعولاً ل " يَعْلَمون " . ويجوزُ أَنْ تكونَ استفهاميةً في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، و " هو " مبتدأُ ثانٍ ، و " شَرٌّ " خبرُه ، والمبتدأُ والخبرُ خبرُ الأول . ويجوز أَنْ تكونَ الجملةُ مُعَلَّقةً لفعل الرؤيةِ فالجملةُ في محلِّ نصبٍ على التعليق .