فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

{ قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة } أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المفتخرين بحظوظهم الدنيوية ، أي من كان مستقرّاً في الضلالة { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً } هذا وإن كان على صيغة الأمر ، فالمراد به الخبر ، وإنما خرج مخرج الأمر لبيان الإمهال منه سبحانه للعصاة ، وأن ذلك كائن لا محالة لتنقطع معاذير أهل الضلال ، ويقال لهم يوم القيامة : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } [ فاطر : 37 ] . أو للاستدراج كقوله سبحانه : { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] وقيل : المراد بالآية الدعاء بالمد والتنفيس . قال الزجاج : تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمدّه فيها ، لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر كأن المتكلم يقول : أفعل ذلك وآمر به نفسي { حتى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ } يعني : الذين مدّ لهم في الضلالة ، وجاء بضمير الجماعة اعتباراً بمعنى من ، كما أن قوله : { كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ } اعتبار بلفظها ، وهذه غاية للمدّ ، لا لقول المفتخرين إذ ليس فيه امتداد { إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة } هذا تفصيل لقوله : { ما يوعدون } أي هذا الذي توعدون هو أحد أمرين : إما العذاب في الدنيا بالقتل والأسر ، وإما يوم القيامة وما يحلّ بهم حينئذٍ من العذاب الأخروي { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } هذا جواب الشرط ، وهو جواب على المفتخرين ، أيّ هؤلاء القائلون : { أيّ الفريقين خير مقاماً } إذا عاينوا ما يوعدون به من العذاب الدنيوي بأيدي المؤمنين ، أو الأخروي ، فسيعلمون عند ذلك من هو شرّ مكاناً من الفريقين ، وأضعف جنداً منهما ، أي أنصاراً وأعواناً . والمعنى : أنهم سيعلمون عند ذلك أنهم شرّ مكاناً لا خير مكاناً ، وأضعف جنداً لا أقوى ولا أحسن من فريق المؤمنين ؛ وليس المراد أن للمفتخرين هنالك جنداً ضعفاء ، بل لا جند لهم أصلاً كما في قوله سبحانه : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } [ الكهف : 43 ] .

/خ80