تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد ، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين ، أنهم على الحق وأنكم على الباطل : { مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ } أي : منا ومنكم ، { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } أي : فأمهله الرحمن{[19095]} فيما هو فيه ، حتى يلقى ربه وينقضي{[19096]} أجله ، { إِمَّا الْعَذَابَ } يصيبه ، { وَإِمَّا السَّاعَةَ } بغتة تأتيه ، { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } [ أي ]{[19097]} : في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي .

قال مجاهد في قوله : { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } فليدعه الله في طغيانه . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .

وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه{[19098]} ، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] أي : ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت{[19099]} إن كنتم تدعون أنكم على الحق ، فإنه لا يضركم الدعاء ، فنكلوا عن ذلك ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " البقرة " مبسوطا ، ولله الحمد . وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة " آل عمران " حين{[19100]} صمموا على الكفر ، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله ، وقد ذكر الله حُجَجه وبراهينه على عبودية عيسى ، وأنه مخلوق كآدم ، قال{[19101]} بعد ذلك : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] فنكلوا أيضًا عن ذلك .


[19095]:في ت، ف، أ: "الله".
[19096]:في أ: "ويقضي".
[19097]:زيادة من أ.
[19098]:في أ: "وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون على هدى قيامهم".
[19099]:في ف: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا ومنكم"، وفي أ: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم".
[19100]:في أ: "حتى".
[19101]:في ت: "وقال".