فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

{ قل } أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المفتخرين بحظوظهم الدنيوية والكفار القائلين للمؤمنين أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا بقوله : { من كان } مستقرا { في الضلالة } أي الكفر والجهل والغفلة عن عواقب الأمور ، وهذا شرط وجوابه { فليمدد له الرحمن مدّا } في الدنيا يستدرجه ، وهذا وإن كان على صيغة الأمر فالمراد به الخبر ، وإنما خرج مخرج الأمر لبيان الإمهال منه سبحانه للعصاة ، وأن ذلك كائن لا محالة ، لينقطع معاذير أهل الضلال ، ويقال لهم يوم القيامة { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } أو للاستدراج كقوله سبحانه : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية ، وذكر لفظ الرحمن في هذه السورة في ستة عشر موضعا ، وقيل المراد بالآية الدعاء بالمد والتنفيس .

قال الزجاج : تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمده فيها لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر كأن المتكلم يقول أفعل ذلك وآمر به نفسي ، وقال مجاهد : معناه فليدعه الله في طغيانه ، وفي حرف أبيّ من كان في الضلالة فإنه يزيده الله ضلالة وطغيانا واستدرجا بأن يطيل عمره ، ويكثر ماله ويمكنه من التصرف فيه .

{ حتى } حرف ابتداء وليست جارة ولا عاطفة ، قاله الكازروني والشهاب وفي زكريا أنها جارة أي فيستمرون في الطغيان إلى أن يشاهدوا الموعود { إذا رأوا } يعني الذين مد لهم في الضلالة { ما يوعدون } جاء بضمير الجماعة اعتبارا لمعنى { من } كما أن قوله : { من كان في الضلالة فليمدد له } اعتبارا بلفظها ، وقيل هذه غاية للمد لا لقول المفتخرين إذ ليس فيه امتداد والغاية في الحقيقة هي قوله : { فسيعلمون } الآن .

{ إما العذاب وإما الساعة } هذا تفصيل لقوله : { ما يوعدون } أي هذا الذي يوعدون هو أحد الأمرين إما العذاب في الدنيا بالقتل والأسر كما وقع لهم يوم بدر وإما يوم القيامة وما يحل بهم حينئذ من العذاب الأخروي ، فإما حرف تفصيل وهي مانعة خلو تجوز الجمع ، والعذاب والساعة بدلان من ما .

{ فسيعلمون } جواب إذا أي هؤلاء القائلون أي الفريقين خير مقاما إذا عاينوا ما يوعدون به من العذاب الدنيوي بأيدي المؤمنين أو الأخروي .

{ من هو شر مكانا } من الفريقين { وأضعف جندا } قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي يكون باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم والمعنى فسيعلمون أهم خير ؟ وهم وجنودهم والشياطين في النار أم المؤمنون وهم في الجنة وعندهم ملائكة الرحمن ؟ { ومن } على هذا استفهامية وهو أحد الوجهين ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي ، وليس المراد أن للمفتخرين هنالك جندا ضعفاء بل لا جند لهم أصلا ، كما في قوله سبحانه : { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا } ثم لما أخبر سبحانه عن حال أهل الضلالة أراد أن يبين حال أهل الهداية فقال :