الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

قوله تعالى : " قل من كان في الضلالة " أي في الكفر " فليمدد له الرحمن مدا " أي فليدعه في طغيان جهله وكفره فلفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر أي من كان في الضلالة مده الرحمن مدا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك اشد لعقابه نظيره " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " {[10934]} [ آل عمران :178 ] وقوله : " ونذرهم في طغيانهم يعمهون{[10935]} " [ الأنعام : 110 ] ومثله كثير ، أي فليعش ما شاء ، وليوسع لنفسه في العمر ، فمصيره إلى الموت والعقاب . وهذا غاية في التهديد والوعيد . وقيل : هذا دعاء أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : من سرق مالي فليقطع الله تعالى يده ، فهو دعاء على السارق . وهو جواب الشرط وعلى هذا فليس قوله " فليمدد " خبرا . " حتى إذا رأوا ما يوعدون " قال " رأوا " لأن لفظ " من " يصلح للواحد والجمع . و " إذا " مع الماضي بمعنى المستقبل ، أي حتى يروا ما يوعدون والعذاب هنا ، إما أن يكون بنصر المؤمنين عليهم فيعذبونهم بالسيف والأسر ، وإما أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار . " فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا

أي تنكشف حينئذ الحقائق وهذا رد لقولهم : ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) .


[10934]:راجع جـ 4 ص 286 فما بعد.
[10935]:راجع جـ 7 ص 65.