البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

{ فليمدد } يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء ، وكان المعنى الأضل منا ومنكم مدّ الله له ، أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه .

وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل ، ويحتمل أن يكون خبراً في المعنى وصورته صورة الأمر ، كأنه يقول : من كان ضالاً من الأمم فعادة الله له أنه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة .

وقال الزمخشري : أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك ، وإنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضال ، ويقال له يوم القيامة { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } أو كقوله { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } والظاهر أن { حتى } غاية لقوله { فليمدد } والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم فيها إلى أن يعاينوا العذاب بنصرة الله المؤمنين أو الساعة ومقدماتها .

وقال الزمخشري : في هذه الآية وجهان أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها ، والآيتان اعتراض بينهما أي قالوا { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } { حتى إذا رأوا ما يوعدون } أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين { إما العذاب } في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم ، وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً ، وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه ، وأنهم { شر مكاناً وأضعف جنداً } لا { خير مقاماً وأحسن ندياً } وأن المؤمنين على خلاف صفتهم .

انتهى هذا الوجه وهو في غاية البعد لطول الفصل بين قوله قالوا : { أي الفريقين } وبين الغاية وفيه الفصل بجملتي اعتراض ولا يجيز ذلك أبو علي .

قال الزمخشري : والثاني أن يتصل بما يليها فذكر نحواً مما قدمناه ، وقابل قولهم خير مكاناً بقوله { شر مكاناً } وقوله { وأحسن ندياً } بقوله { وأضعف جنداً } لأن الندي هو المجلس الجامع لوجوه القوم والأعوان ، والأنصار والجند هم الأعوان ، والأنصار و { إما العذاب وإما الساعة } بدل من ما المفعولة برأوا .

و { من } موصولة مفعولة بقوله { فسيعلمون } وتعدى إلى واحد واستفهامية ، والفعل قبلها معلق والجملة في موضع نصب .