المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ} (81)

وقرأت فرقة «الريح » بالنصب على معنى وسخرنا لسليمان الريح ، وقرأت فرقة «الريحُ » بالرفع على الابتداء والخبر في المجرور قبله ، ويروى أن الريح العاصفة تهب على سرير سليمان الذي فيه بساطه وقد مد حول البساط بالخشب والألواح حتى صنع سرير يحمل جميع عسكره وأقواته ، فتقله من الأرض في الهواء ، ثم تتولاه الريح الرخاء بعد ذلك ، فتحمله إلى حيث أراد سليمان . وقوله تعالى : { إلى الأرض التي باركنا فيها } اختلف الناس فيها ، فقالت فرقة هي أرض الشام وكانت مسكنه وموضع ملكه ، وخصص في هذه الآية انصرافه في سفراته إلى أرضه لأن ذلك يقتضي سيره إلى المواضع التي سافر إليها . و «البركة » في أرض الشام بينة الوجوه ، وقال بعضهم إن العاصفة هي في القفول على عادة البشر والدواب في الإسراع إلى الوطن والرخاء كانت في البداءة ، حيث أصاب ، أي حيث يقصده بأن ذلك وقت تأن وتدبير وتقلب رأي ، وقال منذر بن سعيد في الآية تقديم وتأخير والكلام تام عند قوله { إلى الأرض } ، وقوله { التي باركنا فيها } صفة ل { الريح } ع ويحتمل أن يريد الأَرض التي يسير إليها سليمان عليه السلام كائنة ما كانت ، وذلك أنه لم يكن يسير إلى أرض إلا أصلحها وقتل كفارها وأثبت فيها الإِيمان وبث فيها العدل . ولا بركة أعظم من هذا ، فكأنه قال إلى أي أرض باركنا فيها بعثنا سليمان إليها .