المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

هذه آية اعتبار ، وقرأ حمزة والكسائي «والله خالق كل » على الإضافة ، وقرأ الجمهور «والله خلق كل » ، و «الدابة » كل من يدب من الحيوان أي تحرك منتقلاً أمامه قدماً ، ويدخل فيه الطير إذ قد يدب ومنه قول الشاعر : «دبيب قطا البطحاء في كل منهل »{[8746]} ، ويدخل في الحوت وفي الحديث «دابة من البحر مثل الظرب »{[8747]} ، وقوله { من ماء } قال النقاش أراد أمنية الذكور ، وقال جمهور النظرة أراد أن خلقة كل حيوان أن فيها ماء كما خلق آدم من الماء والطين ، وعلى هذا يتخرج قول النبي عليه السلام للشيخ الذي سأل في غزاة بدر ممن أنتما ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «نحن من ماء . . . »{[8748]} الحديث ، و «المشي علي البطن » للحيات والحوت ونحوه من الدود وغيره ، و «على الرجلين » للإِنسان والطير إذا مشى ، و «الأربع » لسائر الحيوان ، وفي مصحف أبي بن كعب «ومنهم من يمشي على أكثر » فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان ، ولكنه قرآن لم يثبته الإجماع ، لكن قال النقاش : إنما اكتفى لقول بذكر ما { يمشي على أربع } عن ذكر ما يمشي على الأكثر لأن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع وهي قوام مشيه وكثرة الأرجل في بعضه زيادة في الخلقة لا يحتاج ذلك الحيوان في مشيه إلى جميعها .

قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن تلك الأرجل الكثيرة ليست باطلاً بل هي محتاج إليها في تنقل الحيوان وفي كلها تتحرك في تصرفه .


[8746]:الدبيب: المشي، والقطا: نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويتخذ أفحوصه في الأرض، ويطير في جماعات، ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مرقط، والبطحاء: المكان المتسع يمر به السيل فيترك فيه الرمل والحصى الصغار، والمنهل: المورد، أي الموضع الذي فيه المشرب، وهذا الشطر شاهد على أن الدبيب يكون للطير أيضا كما هو للحيوان.
[8747]:أخر ج النسائي والدرامي في الصيد حديثا عن جابر رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة، فأصابنا جوع حتى أتينا البحر وقد قذف دابة، فأكلنا منها حتى ثابت أجسامنا، فأخذ أبو عبيدة ضاعا من أضلاعها فوضعه، ثم حمل أطول رجل في الجيش على أعظم بعير في الجيش فمر تحته، هذا معناه)، وليس فيه لفظ الظرب، وقد جاء التشبيه بالظرب في رواية البخاري، والموطأ، وأحمد في مسنده، وفيه: (ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه ذلك الجيش ثمانية عشرة ليلة)، ولكن ليس في هذه الرواية لفظ الدابة، والحديث واحد، رواه جابر عن بعث للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الساحل تحت إمرأة أبي عبيدة بن الجراح.
[8748]:من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن سلام حين سأله عن ثلاث خصال، الثالثة منها هي: ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها). أخرجه البخاري في الأنبياء، وأحمد في مسنده (3 ـ 108).