جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّهُ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَاللّهُ خَلَق كُلّ دابّةٍ مِنْ ماءٍ فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم : «وَاللّهْ خالِقُ كُلّ دَابّةٍ » . وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم : وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دابّةٍ بنصب «كلّ » ، و«خَلَقَ » على مثال «فَعَل » . وهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الإضافة في قراءة من قرأ ذلك «خالق » تدلّ على أن معنى ذلك المضيّ ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : خَلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ ماءٍ يعني : من نطفة . فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ كالحياة وما أشبهها . وقيل إنما قيل : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ والمشي لا يكون على البطن لأن المشي إنما يكون لما له قوائم ، على التشبيه ، وأنه لما خالط ما له قوائمُ ما لا قوائمَ له ، جاز ، كما قال : وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ كالطير ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أرْبَعٍ كالبهائم .

فإن قال قائل : فكيف قيل : فمنهم من يمشي ، و«مَن » للناس ، وكلّ هذه الأجناس أو أكثرها لغيرهم ؟ قيل : لأنه تفريق ما هو داخل في قوله : وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَابّةٍ وكان داخلاً في ذلك الناس وغيرهم ، ثم قال : فمنهم لاجتماع الناس والبهائم وغيرهم في ذلك واختلاطهم ، فكنى عن جميعهم كنايته عن بني آدم ، ثم فسرهم ب«مَن » ، إذ كان قد كنى عنهم كناية بني آدم خاصة . يَخْلُقُ اللّهُ ما يَشاءُ يقول : يحدث الله ما يشاء من الخلق . إنّ اللّهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ يقول : إن الله على إحداث ذلك وخلقه وخلق ما يشاء من الأشياء غيره ، ذو قدرة لا يتعذّر عليه شيء أراد .