لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

قوله عز وجل { والله خلق كل دابة من ماء } أي من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن ، لأنا لا نشاهدهم وقيل : إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحاً ونوراً فخلق منه الملائكة وجعل بعضه ناراً فخلق منه الجن ، وجعل بعضه طيناً فخلق منه آدم { فمنهم من يمشي على بطنه } أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك { ومنهم من يمشي على رجلين } يعني مثل بني آدم والطير { ومنهم من يمشي على أربع } يعني كالبهائم والسباع . فإن قلت كيف قال : خلق كل دابة من ماء مع أن كثيراً من الحيوانات يتولد من غير نطفة . قلت ذلك المخلق من غير نطفة ، لا بد أن يتكون من شيء ، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء . فإن قلت : فمنهم من يمشي ضمير العقلاء ، فلم يستعمل في غير العقلاء . قلت ذكر الله تعالى ما لا يعقل مع من يعقل لأن جعل الشريف أصلاً ، والخسيس تبعاً أولى . فإن قلت : لم قدم ما يمشي على بطنه على غيره من المخلوقات . قلت قدم الأعجب ، والأعرف في القدرة وهو الماشي بغير آلة المشي ، وهي الأرجل والقوائم ثم ذكر ما يمشي على رجلين ثم ما يمشي على أربع . فإن قلت : لم اقتصر على ذكر الأربع وفي الحيوانات ما يمشي على أكثر من أربع ، كالعناكب والعقارب والرتيلا وما له أربع وأربعون رجلاً ونحو ذلك . قلت هذا القسم كالنادر فكان ملحقاً بالأغلب وقيل : إن هذه الحيوانات اعتمادها على أربع في المشي والباقي تبع لها { يخلق الله ما يشاء } أي مما لا يعقل ولا يعلم { إن الله على كل شيء قدير } أي هو القادر على الكل العالم بالكل المطلع على الكل ، يخلق ما يشاء كما يشاء لا يمنعه مانع ولا دافع .