مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

{ والله خَلَقَ كُلَّ } { خالق كل } حمزة وعلي { دَابَّةٍ } كل حيوان يدب على وجه الأرض { مِن مَّاء } أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أو من ماء مخصوص وهو النطفة ، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسي وهو كقوله { يسقى بِمَاء واحد وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِى الأكل } [ الرعد : و ] هذا دليل على أن لها خالقاً ومدبراً وإلا لم تختلف لإتفاق الأصل . وإنما عرف الماء في قوله : { وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَىْء حَىّ } [ الأنبياء : 30 ] لأن المقصود ثم أن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط . قالوا : إن أول ما خلق الله الماء فخلق منه النار والريح والطين ، فخلق من النار الجن ، ومن الريح الملائكة ، ومن الطين آدم ودواب الأرض ، ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على بَطْنِهِ } كالحية والحوت . وسمي الزحف على البطن مشياً استعارة كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر ، أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى على رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ } كالبهائم وقدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع { يَخْلُقُ الله مَا يَشَاء } كيف يشاء { إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يتعذر عليه شيء .