{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وقرأ الجمهور { خَلقَ } فعلاً ماضياً .
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش خالق اسم فاعل مضاف إلى { كل } .
والدابة : ما يحرك أمامه قدماً ويدخل فيه الطير .
دبيب قطا البطحاء في كل منهل***
« دابة من البحر مثل الظرب » واندرج في { كل دابة } المميز وغيره ، فسهل التفصيل بمن التي لمن يعقل وما لا يعقل إذا كان مندرجاً في العام ، فحكم له بحكمه كان الدواب كلهم مميزون .
والظاهر أن { من ماء } متعلق بخلق .
و { من } لابتداء الغاية ، أي ابتدأ خلقها من الماء .
فقيل : لما كان غالب الحيوان مخلوقاً من الماء لتولده من النطفة أو لكونه لا يعيش إلاّ بالماء أطلق لفظ { كل } تنزيلاً للغالب منزلة العام ، ويخرج عما خلق من ماء ما خلق من نور وهم الملائكة ، ومن نار وهم الجنّ ، ومن تراب وهم آدم .
وخلق عيسى من الروح وكثير من الحيوان لا يتولد من نطفة .
وقيل { كل دابة } على العموم في هذه الأشياء كلها وإن أصل جميع المخلوقات الماء ، فروي أن أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماءً ، ثم خلق من ذلك الماء النار والهواء والنور ، ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء قال : { خلق كل دابة من ماء } .
وقال القفال : ليس { من ماء } متعلقاً بخلق وإنما هو في موضع الصفة لكل دابة ، فالمعنى الإخبار أنه تعالى خلق كل دابة متولدة من الماء أي متولدة من الماء مخلوقة لله تعالى .
ونكر الماء هنا وعرف في { وجعلنا من الماء كل شيء حي } لأن المعنى هنا { خلق كل دابة } من نوع من الماء مختص بهذه الدابة ، أو { من ماء } مخصوص وهو النطفة ، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة هوامّ وبهائم وناس كما قال { يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل } وهنا قصد أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء ، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينها وبينه وسائط كما قيل : إن أصل النور والنار والتراب الماء .
وسمي الزحف على البطن مشياً لمشاكلته ما بعده من ذكر الماشين أو استعارة ، كما قالوا : قد مشى هذا الأمر وما يتمشى لفلان أمر ، كما استعاروا المشفر للشفة والشفة للجحفلة .
والماشي { على بطنه } الحيات والحوت ونحو ذلك من الدود وغيره .
و { على رجلين } الإنسان والطير والأربع لسائر حيوان الأرض من البهائم وغيرها ، فإن وجد من له أكثر من أربع .
فقيل : اعتماده إنما هو على أربع ولا يفتقر في مشيه إلى جميعها وقدم ما هو أعرف في القدرة وأعجب وهو الماشي بغير آلة مشى من له رجل وقوائم ، ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع .
وفي مصحف أُبيّ ومنهم من يمشي على أكثر ، فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان لكنه لم يثبت قرآناً ولعله ما أورده مورد قرآن بل تنبيهاً على أن الله خلق من يمشي على أكثر من أربع كالعنكبوت والعقرب والرتيلاء وذي أربع وأربعين رجلاً وتسمى الاذن وهذا النوع لندوره لم يذكر .
{ يخلق الله ما يشاء } إشارة إلى أنه تعالى ما تعلقت به إرادة خلقه أنشأه واخترعه ، وفي ذلك تنبيه على كثرة الحيوان وأنها كما اختلفت بكيفية المشيء اختلفت بأمور أخر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.