فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

ثم ذكر سبحانه دليلاً ثالثاً من عجائب خلق الحيوان ، وبديع صنعته ، فقال { والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي { والله خالق كل دابة } ، وقرأ الباقون : { خلق } ، والمعنيان صحيحان ، والدابة : كلّ ما دب على الأرض من الحيوان ، يقال : دبّ يدبّ ، فهو : دابّ ، والهاء للمبالغة ، ومعنى { مِن مَّاء } من نطفة ، وهي المنيّ ، كذا قال الجمهور . وقال جماعة : إن المراد الماء المعروف ، لأن آدم خلق من الماء والطين . وقيل في الآية تنزيل الغالب منزلة الكل على القول الأوّل ، لأن في الحيوانات ما يتولد لا عن نطفة ، ويخرج من هذا العموم الملائكة ، فإنهم خلقوا من نور ، والجانّ ، فإنهم خلقوا من نار . ثم فصل سبحانه أحوال كلّ دابة ، فقال : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ } ، وهي الحيات والحوت والدود ونحو ذلك { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ } الإنسان والطير { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ } سائر الحيوانات ، ولم يتعرّض لما يمشي على أكثر من أربع لقلته ، وقيل لأن المشي على أربع فقط ، وإن كانت القوائم كثيرة ، وقيل لعدم الاعتداد بما يمشي على أكثر من أربع ؟ وقيل : ليس في القرآن ما يدلّ على عدم المشي على أكثر من أربع ، لأنه لم ينف ذلك ، ولا جاء بما يقتضي الحصر ، وفي مصحف أبيّ : «ومنهم من يمشي على أكثر » ، فعمّ بهذه الزيادة جميع ما يمشي على أكثر من أربع ، كالسرطان والعناكب وكثير من خشاش الأرض { يَخْلُقُ الله مَا يَشَاء } مما ذكره هاهنا ، ومما لم يذكره ، كالجمادات مركبها وبسيطها ، ناميها وغير ناميها { إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء بل الكلّ من مخلوقاته داخل تحت قدرته سبحانه .

/خ46