المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

وقوله : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } معناه : على ألسنة رسلك ، وقرأ الأعمش «رسْلك » بسكون السين ، وطلبوا من الله تعالى إنجاز الوعد ، وهو تعالى من لا يجوز عليه خلفه من حيث في طلبه الرغبة أن يكونوا ممن يستحقه ، فالطلبة والتخويف إنما هو في جهتهم لا في جهة الله تعالى لأن هذا الدعاء إنما هو في الدنيا ، فمعنى قول المرء : اللهم أنجز لي وعدك ، إنما معناه : اجعلني ممن يستحق إنجاز الوعد ، وقيل : معنى دعائهم الاستعجال مع ثقتهم بأن الوعد منجز ، وقال الطبري وغيره : معنى الآية ما وعدتنا على ألسنة رسلك من النصر على الأعداء فكأن الدعوة إنما هي في حكم الدنيا ، وقولهم : { ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } ، إشارة إلى قوله تعالى : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه }{[3798]} فهذا وعده تعالى وهو دال على أن الخزي إنما هو مع الخلود{[3799]} .


[3798]:- من الآية (8) من سورة التحريم.
[3799]:- قال أبو حيان: "وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين- فإنهم خاطبوا الله تعالى بلفظه: (ربنا) فهي إشارة إلى أنه أصلحهم وهيأهم للعبادة- وقد أخبروا أولا بنتيجة الفكر [ما خلقت هذا باطلا]- ثم نزهوه، ثم سألوه أن يقيهم النار- ثم ذكروا ما أنتجه لهم الفكر من إجابة الداعي للإيمان لأن ذلك مترتب على أنه سبحانه لم يخلق ذلك باطلا، ثم سألوه المغفرة والوفاة على الإيمان، ثم سألوه الجنة، وألا يفضحهم يوم القيامة- وتكرر لفظ [ربنا] خمس مرات للاستعطاف- وفي التكرار دليل على جواز الإلحاح في المسألة من الله]. بتصرف.