فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) هذا دعاء آخر ، والنكتة في تكرير النداء ما تقدم والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته ، ففي الكلام حذف وهو لفظ الألسن كقوله : ( واسأل القرية ) وقيل المحذوف التصديق أي ما وعدتنا على تصديق رسلك ، وقيل ما وعدتنا منزلا على رسلك ومحمولا على رسلك .

ولا يخفى ان تقدير الأفعال الخاصة في مثل هذه المواقع تعسف ، فالأول أولى . وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم ان ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محالة إما لقصد التعجيل او للخضوع بالدعاء لكونه مخ العبادة .

( ولا تخزنا ) لا تفضحنا ولا تهنا ( يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) فيه دليل على انهم لم يخافوا خلف الوعد ، وان الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا{[397]} .


[397]:إن قيل:ما وجه قولهم:"ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك" وقد علموا انه لا يخلف الميعاد؛ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أن الله سبحانه وعد من آمن بالجنة، فسألوا ان يكونوا ممن وعد بذلك دون الخزي والعقاب. الثاني: انهم دعوا بهذا الدعاء على جهة العبادة والخضوع، والدعاء مخ العبادة.وهذا كقوله:"قل رب احكم بالحق" وإن كان هو لا يقضي إلا بالحق. الثالث:سألوا ان يعطوا ما وعدوا به من النصر على عدوهم معجلا؛ لأنها حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه ذلك إعزازا للدين.والله أعلم. وروى أنس ابن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما وعده الله عز وجل على عمل ثوابا فهو منجز له رحمة ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار".والعرب تذم بالمخالفة في الوعد وتمدح بذلك في الوعيد؛ حتى قال قائلهم: ولا يرهب ابن العتم ما عشت صولتي ولا اختفي من خشية المتهــــدد وإني متــى أوعـــدته او وعدتــــــــــه لمخلف إيعادي ومنجز موعدي