{ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } الظاهر أنهم سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على رسله ، ففسر هذا الموعود به بالجنة قاله : ابن عباس .
وقيل : الموعود به النصر على الأعداء .
وقيل : استغفار الأنبياء ، كاستغفار نوح وابراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، واستغفار الملائكة لهم .
وقوله : على رسلك هو على حذف مضاف ، فقدره الطبري وابن عطية : على ألسنة رسلك .
وقدره الزمخشري : على تصديق رسلك .
قال : فعلى هذه صلة للوعد في قولك : وعد الله الجنة على الطاعة .
والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك .
ألا تراه كيف اتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول ، وقوله : آمنا وهو التصديق .
ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف أي : ما وعدتنا منزلاً على رسلك ، أو محمولاً على رسلك ، لأنَّ الرسل يحملون ذلك ، فإنما عليه ما حمل انتهى .
وهذا الوجه الذي ذكر آخراً أنه يجوز لبس بجائز ، لأن من قواعد النحويين أن الجارّ والمجرور والظرف متى كان العامل فيهما مقيداً فلا بد من ذكر ذلك العامل ، ولا يجوز حذفه ، ولا يحذف العامل إلا إذا كان كوناً مطلقاً .
مثال ذلك : زيد ضاحك في الدار ، لا يجوز حذف ضاحك ألبتة .
وإذا قلت : زيد في الدار فالعامل كون مطلق يحذف .
وكذلك زيد ناج من بني تميم ، لا يجوز حذف ناج .
ولو قلت : زيد من بني تميم جاز على تقدير كائن من بني تميم ، والمحذوف فيما جوزه الزمخشري وهو قوله : منزلاً أو محمولاً ، لا يجوز حذفه على ما تقرر في علم النحو .
وإذا كان العامل في الظرف أو المجرور مقيداً صار ذلك الظرف أو المجرور ناقصاً ، فلا يجوز أن يقع صلة ، ولا خبر إلا في الحال .
ولا في الأصل ، ولاصفة ، ولا حالاً ، و معنى سؤالهم : أن يعطيهم ما وعدهم ، أن يثيبهم على الإيمان والطاعة حتى يكونوا ممن يؤتيهم الله ما وعد المؤمنين ، ومعلوم أنه تعالى منجز ما وعد ، فسألوا إنجاز ما ترتب على الإيمان .
والمعنى : التثبيت على الإيمان حتى يكونوا ممن يستحق برحمة الله تعالى إنجاز الوعد .
وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى الله تعالى والتضرّع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون ، مع علمهم أنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك التذلل والتضرع إليه والالتجاء .
وقيل : استبطؤوا النصر الذي وعدوا به فسألوا أن يعجل لهم وعده ، فعلى هذا وهو أن يكون الموعود به النصر يكون الإيتاء في الدّنيا ، وعلى أن يكون الجنة يكون الإيتاء في الآخرة .
وقرأ الأعمش : على رسلك بإسكان السين .
{ ولا تخزنا يوم القيامة } فسر الإخزاء هنا بما فسر في فقد أخزيته .
ويوم القيامة معمول لقوله : ولا تخزنا .
ويجوز أن يكون من باب الإعمال ، إذ يصلح أن يكون منصوباً بتخزنا وبآتنا ما وعدتنا ، إذا كان الموعود به الجنة .
{ إنك لا تخلف الميعاد } ظاهره أنه تعليل لقوله : { وآتنا ما وعدتنا } .
وقال ابن عطية : إشارة إلى قوله تعالى : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } فهذا وعده تعالى ، وهو دال على أنّ الخزي إنما هو مع الخلود انتهى .
وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين ، فإنهم خاطبوا الله تعالى بلفظة ربنا ، وهي إشارة إلى أنه ربهم أصلحهم وهيأهم للعباد ، فأخبروا أولاً بنتيجة الفكر وهو قولهم : { ربنا ما خلقت هذا باطلاً } ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص .
وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون الله ، ولا يتفكرون في مصنوعاته .
ثم ذكروا أيضاً ما أنتج لهم الفكر من إجابة الداعي إلى الإيمان ، إذ ذاك مترتب على أنه تعالى ما خلق هذا الخلق العجيب باطلاً .
ثم سألوا غفران ذنوبهم ووفاتهم على الإيمان الذي أخبروا به في قولهم : فآمنا .
ثم سألوا الله الجنة وإنْ لا يفضحهم يوم القيامة ، وذلك هو غاية ما سألوه .
وتكرر لفظ ربنا خمس مرات ، كلّ ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله تعالى بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك والإصلاح .
وكذلك تكرر هذا الاسم في قصة آدم ونوح وغيرهما .
وفي تكرار ربنا ربنا دلالة على جواز الإلحاح في المسألة ، واعتماد كثرة الطلب من الله تعالى .
وفي الحديث : « ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام » وقال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم .
وهذه مسألة أجمع عليها علماء الأمصار خلافاً لبعض الصوفية ، إذا جاز ذلك فيما يتعلق بالآخرة لا بالدنيا ، ولبعض المتصرفة أيضاً إذ قال الله تعالى : « تولي من اتبع الأمر » واجتنب النهي وارتفع عنه كلف طلباته ودعائه .
خرج أبو نصر الوايلي السجستاني الحافظ في كتاب الإبانة عن أبي هريرة : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة » يعني : أن في خلق السموات والأرض .
قال العلماء : ويستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه ، ويستفتح قيامه بقراءة هذه العشر آيات اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما ، ثم يصلي ما كتب له ، فيجمع بين التفكر والعمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.