المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

هذه مراجعة من الأتباع للرؤساء حين قالو لهم : إنما كفرتم ببصائر أنفسكم قال المستضعفون بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار «وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما » ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والدوام ، وهذه الإضافة كما قالوا «ليل نائم ونهار صائم » ، وأنشد سيبويه

* فنام ليلي وتجلى همي *{[9665]}

وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ قتادة بن دعامة «بل مكرٌ الليلَ والنهارَ » بتنوين «مكرٌ » ونصب «الليلَ والنهارَ » على الظرف ، وقرأ سعيد بن جبير «بل مكَرّ » بفتح الكاف وشد الراء من كر يكر وبالإضافة إلى «الليل والنهار » وذكر عن يحيى بن يعمر وكأن معنى هذه الآية الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله ، و «الند » المثيل والشبيه ، والضمير في قوله { أسروا } عام جميع ما تقدم ذكره من المستضعفين والمستكبرين ، { أسروا } معناه اعتقدوها في نفوسهم ، ومعتقدات النفس كلها سر لا يعقل غير ذلك ، وإنما يظهر ما يصدر عنها من كلام أو قرينة ، وقال بعض الناس { أسروا } معناه أظهروا وهي من الأضداد .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا كلام من لم يعتبر المعنى أما نفس الندامة فلا تكون إلا مستسرة ضرورة ، وأما الظاهر عنها فغيرها ولم يثبت قط في لغة أن أسر من الأضداد ، وقوله تعالى : { لما رأوا العذاب } أي وافوه وتيقنوا حصولهم فيه وباقي الآية بين .


[9665]:أي: نمت فيه: وهذا مثل قول جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم إذ أسند النوم إلى الليل إسنادا مجازيا عقليا، والأصل أن يسند النوم إلى الناس، وهذا من باب التوسع المجازي، والعلاقة هنا الزمانية. قال الفراء في(معاني القرآن):"المكر ليس لليل ولا للنهار، وإنما المعنى: بل مكركم بالليل والنهار، وقد يجوز أن تضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين؛ لأن العرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، ثم تضيف الفعل إلى الليل والنهار وهو في المعنى للآدميين، كما تقول: نام ليلك"اهـ.(معاني القرآن2-363).