مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا } لم يأت بالعاطف في { قَالَ الذين استكبروا } وأتى به في { وَقَالَ الذين استضعفوا } لأن الذين استضعفوا مر أولاً كلامهم فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستئناف ، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول { بَلْ مَكْرُ اليل والنهار } بل مكركم بنا بالليل والنهار فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه ، أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي أي الليل والنهار مكراً بطول السلامة فيهما حتى ظننا أنكم على الحق { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أشباهاً .

والمعنى أن المستكبرين لما أنكروا بقولهم { أَنَحْنُ صددناكم } أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } أن ذلك بكسبهم واختيارهم ، كر عليهم المستضعفون بقولهم { بَلْ مَكْرُ اليل والنهار } فأبطلوا إضرابهم بأضرابهم كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائباً ليلاً ونهاراً وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد { وَأَسَرُّواْ الندامة } أضمروا أو أظهروا وهو من الأضداد وهم الظالمون في قوله { إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ } يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين { لَمَّا رَأَوُاْ العذاب } الجحيم { وَجَعَلْنَا الأغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ } أي في أعناقهم فجاء بالصريح للدلالة على ما استحقوا به الأغلال { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا .