المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : خلقه القرآن{[11230]} أدبه وأوامره ، وقال علي رضي الله عنه : الخلق العظيم أدب القرآن ، وعبر ابن عباس عن الخلق بالدين والشرع ، وذلك لا محالة رأس الخلق ووكيده ، أما أن الظاهر من الآية أن الخلق هي التي تضاد مقصد الكفار في قولهم مجنون ، أي غير محصل لما يقول ، وإنما مدحه تعالى بكرم السجية وبراعة القريحة والملكة الجميلة وجودة الضرائب{[11231]} ، ومنه قوله عليه السلام : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »{[11232]} . وقال جنيد : سمي خلقه عظيماً ، إذ لم تكن له همة سوى الله تعالى ، عاشر الخلق بخلقه وزايلهم بقلبه ، فكان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق ، وفي وصية بعض الحكماء ، عليك بالخلق مع الخلق وبالصدق مع الحق ، وحسن الخلق خير كله . وقال صلى الله عليه وسلم : «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار »{[11233]} . وقال : «ما شيء أثقل في الميزان من خلق حسن »{[11234]} ، وقال : «أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً »{[11235]} والعدل والإحسان والعفو والصلة من الخلق .


[11230]:أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، ومسلم، وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه عن سعد بن هشام، قال: أتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين، أخبرني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن (وإنك لعلى خلق عظيم)، وأخرج مثله ابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن أبي الدرداء، وأخرج مثله ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق العقيلي، وأخرج مثله ابن أبي شيبة، والترمذي وصححه، وابن مردويه عن أبي عبد الله الجدلي، وأخرج ابن مردويه عن زينب بنت يزيد بن وسق قالت: كنت عند عائشة إذ جاءها نساء أهل الشام، فقلن: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان خلقه القرآن، وكان أشد الناس حياء من العواتق في خدرها . (الدر المنثور).
[11231]:من معافي الضرب: المشاركة في الأمر والإسراع فيه.
[11232]:أخرجه الإمام مالك في موطئه، والإمام احمد في مسنده (2/381)، ولفظه فيه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
[11233]:أخرجه أبو داود: وابن حبان في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها، وقد رمز له الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" بأنه حديث حسن، ولفظه كما جاء فيه (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم).
[11234]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/442)، والترمذي في البر، ولفظه كما في مسند أحمد: عن عطاء بن نافع أنهم دخلوا على أم الدرداء فأخبرتهم أنها سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل شيء في الميزان – قال ابن أبي بكير: أثقل شيء في الميزان- يوم القيامة الخلق الحسن).
[11235]:أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، وفي المناقب، والترمذي في البر، وأحمد في مسنده (4/193)، ولفظه كما جاء في مسند أحمد: عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيقهون المتشدقون).