المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية ولا خلاف فيها بين أحد من أهل التأويل{[1]} .

قوله عز وجل :

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( 1 )

{ ن } حرف مقطع في قول الجمهور من المفسرين ، فيدخله من الخلاف ما يدخل أوائل السور ، ويختص هذا الموضع من الأقوال بأن قال مجاهد وابن عباس : نون ، اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع فيما يروى . وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك : النون اسم للدواة ، فهذا إما أن يكون لغة لبعض العرب ، أو تكون لفظة أعجمية عربت ، قال الشاعر : [ الوافر ]

إذا ما الشوق برح بي إليهم . . . ألقت النون بالدمع السجوم{[11227]}

فمن قال إنه اسم الحوت جعل { القلم } الذي خلقه الله تعالى وأمره فكتب الكائنات وجعل الضمير في { يسطرون } للملائكة ، ومن قال بأن «نون » اسم للدواة ، جعل { القلم } هذا المتعارف بأيدي الناس . نص ذلك ابن عباس وجعل الضمير في { يسطرون } للناس ، فجاء القسم على هذا بمجموع أم الكتاب الذي هو قوام للعلوم والمعارف وأمور الدنيا والآخرة ، فإن القلم أخ اللسان ، ومطية الفطنة ، ونعمة من الله عامة . وروى معاوية بن قرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ن } لوح من نور{[11228]} ، وقال ابن عباس وغيره : هو حرف من حروف الرحمن ، وقالوا إنه تقطع في القرآن : { الر } [ يونس : 1 ، هود : 1 ، يوسف : 1 ، إبراهيم : 1 ، الحجر : 1 ] و { حم } [ غافر : 1 ، فصلت : 1 ، الشورى : 1 ، الزخرف : 1 ، الدخان : 1 ، الجاثية : 1 ، الأحقاف : 1 ] ، و { ن } ، وقرأ عيسى بن عمر بخلاف «نونَ » بالنصب ، والمعنى : اذكر نونَ ، وهذا يقوى مع أن يكون اسماً للسورة ، فهو مؤنث سمي به مؤنث ، ففيه تأنيث وتعريف ، ولذلك لم ينصرف ، وانصرف نوح ، لأن الخفة بكونه على ثلاثة أحرف غلبت على العجمة ، وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن : «نونِ » بكسر النون ، وهذا كما تقول في القسم بالله ، وكما تقول : «جبر »{[11229]} وقيل كسرت لاجتماع الساكنين ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم : «نونْ » بسكون النون ، وهذا على أنه حرف منفصل فحقه الوقوف عليه ، وقرأ قوم ، منهم الكسائي : { ن والقلم } بالإدغام دون غنة ، وقرأ آخرون بالإدغام وبغنة ، وقرأ الكسائي ويعقوب عن نافع وأبو بكر عن عاصم بالإخفاء بين الإدغام والإظهار . و { يسطرون } معناه : يكتبون سطوراً ، فإن أراد الملائكة فهو كتب الأعمال وما يؤمرون به ، وإن أراد بني آدم ، فهي الكتب المنزلة والعلوم وما جرى مجراها .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11227]:الدمع السجوم: السائل المنصب من العين قليلا كان أو كثيرا. (اللسان).
[11228]:أخرجه ابن جرير ، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ن والقلم وما يسطرون} قال: لوح من نور، وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة). (الدر المنثور) و (تفسير الطبري).
[11229]:جير بمعنى اليمين، يقال: جير لا أفعل كذا وكذا، قال الجوهري: "قولهم جير لا آتيك- بكسر الراء- يمين للعرب، ومعناها حقا" راجع الصحاح واللسان.