قوله تعالى :{ ادعوهم لآبائهم } الذين ولدوهم ، { هو أقسط } أعدل ، { عند الله } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا معلى بن أسد ، أنبأنا عبد العزيز المختار ، أنبأنا موسى بن عقبة ، حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما كنا ندعو إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم } أي : فهم إخوانكم ، { في الدين ومواليكم } إن كانوا محررين وليسوا بنيكم ، أي : سموهم بأسماء إخوانكم في الدين . وقيل : مواليكم أي : أولياءكم في الدين ، { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه ، { ولكن ما تعمدت قلوبكم } من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النبي . وقال قتادة : فيما أخطأتم به أن تدعوه لغير أبيه ، وهو يظن أنه كذلك . ومحل " ما " في قوله تعالى : ما تعمدت خفض رداً على ما التي في قوله فيما أخطأتم به مجازه : ولكن فيما تعمدت قلوبكم . { وكان الله غفوراً رحيماً } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محمد بن بشار ، أنبأنا غندر ، أنبأنا شعبة عن عاصم ، قال : سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعداً ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس ، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه ، فالجنة عليه حرام " .
قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة كما بيناه آنفا . وفي ذلك كان ابن عمر يقول : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . وهذا يدل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية وبعض من الوقت في الإسلام . وكانوا يتوارثون به ويتناصرون حتى نسخ الله ذلك بقوله : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ }
أي انسبوا هؤلاء الأدعياء الذين ألحقتم أنسابهم بكم – لآبائهم . فوجب بذلك أن يُنسب زيد لأبيه حارثة ، فلا يدعي : زيد بن محمد . وذلك عند الله أعدل وأصوب وأصدق من دعائكم إياهم لغير آبائهم .
قوله : { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } يعني إذا لم تعلموا من هم أدعيائكم لتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الدين ؛ أي ينادي أحدكم الدعي بقوله : يا أخي . والمقصود أخوة العقيدة والدين لا أخوة النسب . { وَمَوَالِيكُمْ } أي أولياؤكم في الدين . فليقل أحدكم : هذا أخي وهذا مولاي . ويا أخي ويا مولاي ، يريد بذلك الأخوة في الدين والولاية فيه .
قوله : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي لا بأس عليكم ، ولا إثم فيما وقعتم فيه من الخطأ بنسبة بعض الأدعياء إلى آبائهم وأنتم تحسبون أنهم أبناؤهم وهم في الحقيقة أبناء لغيرهم . فلو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فلا بأس عليك في ذلك .
قوله : { وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } { مَّا } ، في موضع رفع على الابتداء . وتقديره : ولكن ما تعمدت قلوبكم يؤاخذكم به . وقيل : في موضع جر بالعطف على { مَّا } في قوله تعالى : { فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } {[3693]}
والمعنى : ولكن الإثم والحرج عليكم فيما نسبتموه إلى غير أبيه ، وأنتم تعلمون أنه ابن لغير ما تنتسبونه إليه .
قوله : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } الله يستر الذنب على من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول ، وكذلك يستره على من ادعى ولد غيره ابنا له ، إذا تابا وأنابا وانتهيا عن قول المنكر والزور من الكلام . الله جل وعلا يتجاوز بفضله عن سيئاتهما ويرحمهما برحمته فلا يعاقبهما على ما بدر منهما بعد توبتهما{[3694]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.