الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق ، وهو قوله : { ادعوهم لآبَائِهِمْ } وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل ، وفي فصل هذه الجمل ووصلها : من الحسن والفصاحة مالا يغني على عالم بطرق النظم . وقرأ قتادة : «وهو الذي يهدي السبيل » . وقيل : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه جلد الرجل وظرفه : ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال : فلان ابن فلان { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ } لهم آباء تنسبونهم إليهم { ف } هم { فإخوانكم فِى الدين } وأولياؤكم في الدين فقولوا : هذا أخي وهذا مولاي ، ويا أخي ، ويا مولاي : يريد الأخوّة في الدين والولاية فيه { مَّا تَعَمَّدَتْ } في محل الجرّ عطفاً على ما أخطأتم .

ويجوز أن يكون مرتفعاً على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح . والمعنى : لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي ، ولكن الإثم فيما تعمدتموه بعد النهي . أو لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بنيّ على سبيل الخطإ وسبق اللسان ، ولكن إذا قلتموه متعمدين . ويجوز أن يراد العفو عن الخطإ دون العمد على طريق العموم ، كقوله عليه الصلاة والسلام :« ما أخشَى عليكُم الخطأَ ولكنْ أخشَى عليْكُم العمدَ » وقوله عليه الصلاة والسلام : « وُضع عن أمّتي الخطأُ والنسيانْ وما أكرهُوا عليه » ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده .

فإن قلت : فإذا وجد التبني فما حكمه ؟ قلت : إذا كان المتبني مجهول النسب وأصغر سناً من المتبنى ثبت نسبه منه ، وإن كان عبداً له عتق مع ثبوت النسب ، وإن كان لا يولد مثله لمثله لم يثبت النسب ، ولكنه يعتق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعند صاحبيه لا يعتق . وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وإن كان عبداً عتق { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } لعفوه عن الخطأ وعن العمد إذا تاب العامد .