الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

وقوله تعالى ذكره : { ادعوهم لآبائهم هم أقسط عند الله } 5 إلى قوله : { ميثاقا غليظا }7

أي : انسبوا أدعياءكم إلى آبائهم فهو أعدل عند الله .

{ فإن لم تعلموا آباءهم } أي : تعرفوا أسماء آبائهم فتنسبوهم إليهم .

{ فإخوانكم في الدين } أي : فهم إخوانكم في الدين إذا كانوا أهل ملتكم .

{ ومواليكم } أي : وهم مواليكم أي : أوليائهم أي بنو عمكم .

ثم قال تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } أي : لا إثم عليكم في الخطإ يكون منكم في نسب من تنسبونه إلى غير أبيه إن كنتم ترون أنه أبوه ، وليس بأبيه .

{ ولكن ما تعمدت قلوبكم }أي : ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتم من ذلك فنسبتم الرجل إلى غير أبيه متعمدين ذلك {[55266]} ، هذا معنى قول قتادة ومجاهد وغيرهما {[55267]} .

و " ما " في موضع جر عطف على " ما " الأولى {[55268]} .

ويجوز أن تكون في موضع رفع على خبر ابتداء محذوف والتقدير : ولكن الذي تأثمون فيه ما تعمدت قلوبكم {[55269]} .

وقد أجرى بعض الفقهاء الفتيا في غير التعمد على ظاهرة هذه الآية ، فجعلها عامة في كل شيء لم يتعمده فاعله .

قال عطاء : إذا حلف رجل أنه لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه حقه فوجدها زائدة أو ناقصة ، إنه لا شيء عليه لأنه لم يتعمد . وكذا إذا حلف أنه لا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعلم ، إنه لا حنث عليه لأنه لم يتعمد ذلك {[55270]} ، وأكثر الفقهاء على خلافه ، فالآية عندهم مخصوصة في هذا بعينه . إنما كان هذا قبل النهي عندهم ، أو في دعاء الرجل الرجل لغير أبيه مخطئا . فهي مخصوصة في أحد الحكمين لا عامة في كل ما لم يتعمد الإنسان ، دليله ما أوجبه الله جل ذكره / على القاتل خطأ .

ثم قال : { وكان الله غفورا } أي ذا ستر على ذنب من دعا إنسانا بغير اسم أبيه وهو لا يعلم .

ومن قال : إن الآية مخصوصة فيما كان قبل النهي ، أو هي مخصوصة في أن يدعوالإنسان الرجل إلى أب وهو عنده أبوه ، وليس هو كذلك ، لم يقف على " ومواليكم " لأن ما بعده متصل به ، ومن جعل { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } عاما في هذا وغيره جعله مستأنفا وحسن الوقف على { ومواليكم } ثم استأنف ما بعده لأنه عام {[55271]} .

فإذا جعلت ( ما ) في موضع خفض لم تقف على { فيما أخطأتم به } [ لأن ما بعده معطوف عليه {[55272]} .

فإن جعلت ( ما ) في موضع رفع على ما تقدم وقفت على " أخطأتم به " {[55273]} ] {[55274]} .

ثم تستأنف : { ولكن ما تعمدت قلوبكم } .


[55266]:في الأصل: بذلك
[55267]:انظر: جامع البيان 21/121، وأحكام الجصاص 3/354، وأحكام الكيا الهراسي 4/344، والجامع للقرطبي 14/121، والدر المنثور 6/556
[55268]:انظر: معاني الزجاج 4/215، ومشكل الإعراب لمكي 2/573 والبيان لابن الأنباري 2/264 والتبيان للعكبري 2/1051 وما الأولى التي في قوله {فيما أخطأتم به} فيكون التقدير: ولكن فيما تعمدت قلوبكم.
[55269]:انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/573 والبيان لابن الأنباري 2/264
[55270]:انظر: الجامع للقرطبي 14/120
[55271]:انظر: القطع والإئتناف 573
[55272]:انظر: القطع والإئتناف 573
[55273]:انظر: المصدر السابق
[55274]:ما بين المعقوقين مثبت في طرة أ