السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

ولما كان كأنه قيل فما تقول ؟ اهدنا إلى سبيل الحق قال تعالى : { ادعوهم } أي : الأدعياء { لآبائهم } أي : الذين ولدوهم إن علموا ولذا قال زيد بن حارثة : قال صلى الله عليه وسلم : «من دعي إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام » وأخرجه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص ، ثم علل تعالى ذلك بقوله تعالى : { هو } أي : هذا الدعاء { أقسط } أي : أقرب إلى العدل من التبني ، وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المُتَبَنَّى والإحسان إليه { عند الله } أي : الجامع لصفات الكمال ، وعن ابن عمران زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كنا ندعوه إلا زيد ابن محمد حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم } الآية وقيل : كان الرجل في الجاهلة إذا أعجبه جلد الرجل وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال : فلان ابن فلان ، أما إذا جهلوا فهو ما ذكر بقوله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم } لجهل أصلي أو طارئ { فإخوانكم } أي : فهم إخوانكم { في الدين } إن كانوا دخلوا في دينكم أي : قولوا لهم إخواننا { ومواليكم } إن كانوا محررين أي : قولوا موالي فلان ، وعن مقاتل إن لم تعلموا لهم أباً فانسبوهم إخوانكم في الدين أي : أن تقول : عبد الله وعبد الرحمان وعبيد الله وأشباههم من الأسماء ، وأن يدعى إلى اسم مولاه وقيل : مواليكم أولياؤكم في الدين .

ولما كان عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ ، وساقه على وجه يعمم ما بعد النهي أيضاً بقوله تعالى : { وليس عليكم جناح } أي : إثم وميل واعوجاج ، وعبر بالظرف ليفيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه ، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثماً ولكن يعفي عنه فقال تعالى : { فيما أخطأتم به } أي : من الدعاء بالنبوة والمظاهرة ، أو في شيء قبل النهي أو بعده ودل قوله تعالى { ولكن ما } أي : الإثم فيما { تعمدت قلوبكم } على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان ، أو سبق اللسان ، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يتعمد بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة ، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينته المتعمد .

تنبيه : يجوز في ما هذه وجهان :

أحدهما : أن تكون مجرورة المحل عطف على ما المجرورة قبلها بفي . والتقدير : ولكن الجناح فيما تعمدت كما مرت الإشارة إليه .

والثاني : أنها مرفوعة المحل بالابتداء ، والخبر محذوف . وتقديره : تؤاخذون به أو عليكم فيه الجناح ونحوه .

ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدم عمم سبحانه وتعالى بقوله { وكان الله } أزلاً وأبداً { غفوراً } أي : من صفته الستر البليغ على المذنب التائب { رحيماً } به .