فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

{ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ } للصلب وانسبوهم إليهم ، ولا تدعوهم إلى غيرهم ، أخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما ، عن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد ، حتى نزل القرآن : أدعوهم لآبائهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت زيد بن حارثة بن شراحيل .

{ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ } تعليل للأمر بدعاء الأبناء للآباء ، والضمير راجع إلى مصدر : ادعوهم ومعنى أقسط : أعدل ، أي أعدل من كل كلام يتعلق بذلك فترك الإضافة للعموم ، كقوله : الله أكبر ، أو أعدل من قولكم : هو ابن فلان ، ولم يكن ابنه لصلبه ، وأقسط أفعل تفضيل ، قصد به الزيادة مطلقا ، من القسط بمعنى العدل ، وانظر إلى فصاحة هذا الكلام ، حيث وصل الجمل الطلبية . ثم فصل الخبرية عنها ، ووصل بينها ؛ ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ، ثم فصل بالطلبية ثم تمرد الإرشاد للعباد فقال :

{ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ } تنسبونهم إليهم { فَإِخْوَانُكُمْ } أي فهم إخوانكم { فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } فقولوا : أخي ومولاي ، ولا تقولوا : ابن فلان حيث لم تعلموا آباءهم على الحقيقة ، قال الزجاج : مواليكم ، أي أولياؤكم في الدين .

وقيل المعنى : فان كانوا محررين ولم يكونوا أحرارا فقولوا : موالي فلان { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ } أي إثم عليكم فيما وقع منكم من ذلك خطأ من غير عمد قبل النهي ، فنسبتموه إلى غير أبيه { وَلَكِن } الإثم .

{ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } وهو ما قلتموه على طريقة العمد ، من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم مع علمكم بذلك ، قال قتادة : لو دعوت رجلا بغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه ، لم يكن عليك بأس بخلاف الحال في زيد فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد ، فإن قاله أحد متعمدا عصى بقوله هذا ، عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ادعى إلى غير أبيه ، وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) أخرجه البخاري ومسلم .

{ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } يغفر للمخطئ ويرحمه ، ويتجاوز عنه ، أو غفور للذنوب ، رحيما بالعباد ، ومن جملة من يغفر له ويرحمه من دعا رجلا لغير أبيه خطأ ، أو قبل النهي عن ذلك ، أو على سبق اللسان ، ثم ذكر سبحانه لرسوله مزية عظيمة ، وخصوصية جليلة ؛ لا يشاركه فيها أحد من العباد فقال : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ }