تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

الآية 5 أو إن قوله : { والله يقول الحق } تأويله : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } أي انسبوهم إليهم إن علمتموهم { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } .

قال بعض أهل التأويل : { ومواليكم } فانسبوهم إلى أبائهم من أسماء مواليكم أو إخوانكم أو بني( {[16483]} ) عمكم مثل عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وأشباه تلك الأسماء وأسماء مواليكم .

[ ويحتمل أن يكون ]( {[16484]} ) قوله : { فإخوانكم في الدين } أي سموهم إخوانا ، وذلك أعظم في القلوب وآخذ من التسمية بالآباء والنسبة إليهم ؛ وذلك لأن( {[16485]} ) الحاجة إلى معرفة الآباء والنسبة إليهم إنما تكون عند الكتابة والشهادة وعند الغيبة ، وأما عند الحضرة فلا .

وقوله تعالى : { ومواليكم } قال بعضهم : نزل هذا في شأن زيد بن حارثة ، وهو كان مولى رسول الله ، وكانوا يسمونه زيد بن محمد ، فنهوا عن ذلك ؛ فيقول : { فإن لم تعلموا آباءهم } فانسبوهم إلى مواليهم .

وجائز أن يكون قوله : { ومواليكم } من الولاية كقوله : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [ التوبة : 71 ] وقوله( {[16486]} ) : { إنما المؤمنون إخوة } [ الحجرات : 10 ] .

وقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } يقول ، والله أعلم : ليس عليكم جناح بالنسبة إلى غير الآباء إذا كنتم مخطئين غير عارفين الآباء : { ولكن ما تعمدت قلوبكم } إنما الجناح والحرج عليكم إذا كنتم عامدين لذلك عارفين لهم آباء ؛ كأنه أباح التبني والتآخي في ما بينهم ، ولم يبح النسبة على غير الآباء وإيجاب الحقوق في ما بينهم .

وكذلك روي في بعض الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤاخي بين الرجلين . فإذا [ مات ]( {[16487]} ) أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته وأهله فكان الزبير أخا عبد الله بن مسعود ، فمكثوا بذلك ما شاء الله أن يمكثوا حتى نزلت الآية .

وقال بعضهم : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } يقول : إذ دعوت الرجل لغير أبيه ، وأنت ترى أنه كذلك .

{ ولكن ما تعمدت قلوبكم } يقول : لا تدعوه لغير أبيه متعمدا ؛ فأما الخطأ فإن الله يقول : لا يؤاخذكم به ، ولكن أردت به العمد ، وهو مثل الأول .

وذكر أن عمر رضي الله عنه ، سمع رجلا ، يقول : اللهم اغفر لي خطئي ، فقال له عمر : استغفر الله العمد ، فأما الخطأ فقد تجوز لك عنه . وكان يقول [ عليه السلام ]( {[16488]} ) : ( ما أخاف عليكم الخطأ ، ولكن أخاف العمد ، وما أخاف عليكم العائلة ولكن أخاف عليكم التكاثر ، وما أخاف عليكم أن تزودوا أعمالكم ، ولكن أخاف عليكم أن تستكثروها ) [ بنحوه أحمد 2/308 ] .

وذكر أن ثلاثة لا يملك عليها ابن آدم : الخطأ والنسيان والاستكراه . وكذلك روي عن ابن مسعود أنه قال ذلك .

وقال بعضهم : الخطأ ههنا هو ما جرى على اللسان من غير قصد ، والعمد ما يجري على قصد ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم .

[ وقوله تعالى : ]( {[16489]} ) { وكان الله غفورا رحيما } لما فعلوا .


[16483]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: ابن.
[16484]:في الأصل وم: أو أن يقول.
[16485]:في الأصل وم: أن.
[16486]:في الأصل وم: وقال.
[16487]:من م، ساقطة من الأصل.
[16488]:ساقطة من الأصل وم.
[16489]:ساقطة من الأصل وم.