ثم أرشدت إلى الطريق السليمة فى معاملة الابن المتبنى فقال : { ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله } أى انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آبائهم ، فإن هذا النسب هو أقسط وأعدل عند الله - تعالى - .
قال الآلوسى : أخرج الشيخان " عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد . حتى نزل القرآن : { ادعوهم لآبَآئِهِمْ } فقال صلى الله عليه وسلم " أنت زيد بن حارثة بن شراحيل " " .
وكان زيد قد أسر فى بعض الحروب ، ثم بيع فى مكة ، واشتراه حكيم بن حزام ، ثم أهداه إلى عمته السيدة خديجة ، ثم أهدته خديجة - رضى الله عنها - إلى النبى صلى الله عليه وسلم وصار الناس يقولون : زيد بن محمد حتى نزلت الآية .
وقوله - سبحانه - : { فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ } إرشاد إلى معاملة هؤلاء الأدعياء فى حالة عدم معرفة آبائهم .
أى : انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آباءهم الحقيقيين لكى تنسبوهم إليهم ، فهؤلاء الأدعياء هم إخوانكم فى الدين والعقيدة ، وهو مواليكم ، فقولوا لهم ، يا أخى أو يا مولاى ، واتركوا نسبتهم إلى غير آبائهم الشرعيين .
وفى الجملة الكريمة إشارة إلى ما كان عليه المجتمع الجاهلى من تخلخل فى العلاقات الجنسية ، ومن اضطراب فى الأنساب ، وقد عالج الإِسلام كل ذلك بإقامة الأسرة الفاضلة ، المبنية على الطهر ، والعفاف ، ووضع الأمور فى مواضعها السليمة .
ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر اليسر ورفع الحرج فى تشريعاته فقال : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } .
أى : انسبوا - أيها المسلمون - الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، فإن لم تعرفوا آباءهم فخاطبوهم ونادوهم بلفظ : يا أخى أو يا مولاى . ومع كل ذلك فمن رحمتنا بكم أننا لم نجعل عليكم جناحا أو إثما ، فيما وقتمت فيه من خطأ غير مقصود بنسبتكم بعض الأبناء والأدعياء إلى غير آبائهم ، ولكننا نؤاخذكم ونعاقبكم فيما تعمدته قلوبكم من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم .
و { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } - وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء عن عباده .
هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هاتين الآيتين : حرص شريعة الإِسلام على إعطاء كل ذى حق حقه ، ومن مظاهر ذلك إبطال الظهار الذى كان يجعل المرأة محرمة على الرجل ، ثم تبقى بعد ذلك معلقة ، ولا هى مطلقة ففتزوج غير زوجها ، ولا هى زوجة فتحل له فشرع الإِسلام كفارة الظهار إنصافا للمرأة ، وحرصا على كرامتها .
ومن مظاهر ذلك - أيضا - : إبطال عادة التبنى ، حتى ينتسب الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، وحتى تصير العلاقات بين الآباء والأبناء قائمة على الأسس الحقيقية والواقعية .
ولقد حذر الإِسلام من دعوة الإِبن إلى غير أبيه تحذيرا شديدا . ونفر من ذلك .
قال القرطبى : جاء فى الحديث الصحيح " عن سعد بن أبى وقاص وأبى بكرة ، كلاهما قال : سَمعته أذناى ووعاه قلبى ، محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالاجنة عليه حرام " وفى حديث أبى ذر أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.