جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لاَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ فَإِن لّمْ تَعْلَمُوَاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلََكِن مّا تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً } .

يقول الله تعالى ذكره : انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لاَبائهم . يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألحق نسب زيد بأبيه حارثة ، ولا تدعه زيدا بن محمد . وقوله هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ الله يقول : دعاؤكم إياهم لاَبائهم هو أعدل عند الله ، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبتكموهم إلى من تبنّاهم وادّعاهم وليسوا له بنين . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ادْعُوهُمْ لاَبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ : أي أعدل عند الله ، وقوله : فإنْ لَمْ تَعْلمُوا آباءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ يقول تعالى ذكره : فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم ، ولم تعرفوهم ، فتلحقوهم بهم ، فإخوانكم في الدين يقول : فهم إخوانكم في الدين ، إن كانوا من أهل ملّتكم ، ومواليكم إن كانوا محرّريكم وليسوا ببنيكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ادْعُوهُمْ لاَبائهمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ : أي أعدل عند الله فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانَكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عُيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : قال أبو بكرة : قال الله ادْعُوهُمْ لاَبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ ، فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ فأنا ممن لا يُعرف أبوه ، وأنا من إخوانكم في الدين ، قال : قال أبي : والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمّارا لانتمى إليه .

وقوله : وَلَيْسَ عَليْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ يقول : ولا حرج عليكم ولا وزر في خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه ، وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه ، وهو ابن لغيره وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول : ولكن الإثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه ، وأنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ يقول : إذا دعوت الرجل لغير أبيه ، وأنت ترى أنه كذلك وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ يقول الله : لا تدعه لغير أبيه متعمدا . أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ قال : فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره .

و «ما » التي في قوله وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ خفض ردّا على «ما » التي في قوله فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ وذلك أن معنى الكلام : ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن فيما تعمدت قلوبكم .

وقوله : وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما يقول الله تعالى ذكره : وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول ، وذنب من ادّعى ولد غيره ابنا له ، إذا تابا وراجعا أمر الله ، وانتهيا عن قيل الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما .