معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

قوله تعالى : { فاليوم ننجيك } ، أي نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : المكان المرتفع . وقرأ يعقوب " ننجيك " بالتخفيف ، { ببدنك } ، بجسدك لا روح فيه . وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدقوا . " لتكون لمن خلفك آية " ، عبرة وعظة ، { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

وقوله تعالى { فاليوم ننجيك } الآية ، يقوي ما ذكرناه من أنها صورة الحال لأن هذه الألفاظ إنما قيلت بعد فرقة ، وسبب هذه المقالة على ما روي أن بني إسرائيل بعد عندهم غرق فرعون وهلاكه لعظمه عندهم ، وكذب بعضهم أن يكون فرعون يموت فنجي على نجوة من الأرض حتى رآه جميعهم ميتاً كأنه ثور أحمر ، وتحققوا غرقه{[6221]} ، وقرأت فرقة «فاليوم ننجيك » وقالت فرقة معناه من النجاة أي من غمرات البحر والماء ، وقال جماعة معناه : نلقيك على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها ، ومنه قول أوس بن حجر : [ البسيط ]

فمن بعقوته كمن بنجوته*** والمستكن كمن يمشي بقرواح{[6222]}

وقرأ يعقوب «ننْجِيك » بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ أبي بن كعب «ننحّيك » بالحاء المشددة من التنحية ، وهي قراءة محمد بن السميفع اليماني ويزيد البريدي{[6223]} ، وقالت فرقة : معنى { ببدنك } بدرعك{[6224]} ، وقالت فرقة معناه بشخصك وقرأت فرقة «بندائك » أي بقولك { آمنت } الخ الآية ، ويشبه أن يكتب بندائك بغير ألف في بعض المصاحف ، ومعنى الآية أنا نجعلك آية مع ندائك الذي لا ينفع{[6225]} ، وقرأت فرقة هي الجمهور «خلفك » أي من أتى بعدك ، وقرأت فرقة «خلقك » المعنى يجعلك الله آية له في عباده{[6226]} ، ثم بيّن عز وجل العظة لعباده بقوله { وإن كثير من الناس عن آياتنا لغافلون } وهذا خبر في ضمنه توعد .


[6221]:- يقال: تحقق الأمر: صحّ ووقع، ويقال أيضا: تحقق الأمر: عرف حقيقته.
[6222]:- البيت منسوب في "اللسان" إلى عبيد بن الأبرص، في (عقا) وفي (قرح). والمعروف أنه لأوس، وهو من قصيدة له مشهورة يصف فيها المطر، وهي قصيدة فريدة تغنى بها الموصلي لالتحام مقاطعها، ومطلعها: ودع لميس وداع الصارم اللاحي إذ فنّكت في فساد بعد إصلاح ورواية الديوان: فمن بنجوته كمن بمحفله والمستكنّ كمن يمشي بقرواح والعقوة: الساحة وما حول الدار والمحلة، والجمع: عقاء، والنجوة: ما ارتفع من الأرض والمحفل: مستقر الماء ووسطه. والكنّ: الوقاء والستر- وهو أيضا: البيت، والقرواح: الأرض البارزة للشمس. يقول: إن المطر عمّ الأرض وغمر كل شيء فمن كان في مرتفع تساوى مع من كان في محلّ مستو من الأرض، ومن كان في كنّ تساوى مع من كان على ظهر الأرض بارزا للشمس.
[6223]:- وفي معنى التنحية يقول الحطيئة لأمه: (سامحه الله): تنحّيْ فاقعدي مني بعيدا أراد الله منك العالمينا.
[6224]:- من معاني البدن في اللغة: الدرع القصيرة، أنشد أبو عبيد لعمرو بن معديكرب: ومضى نساؤهم بكل مفاضة جدلاء سابغة وبالأبدان المفاضة: الدرع الواسعة، والجدلاء: المحكمة النسج، والأبدان: الدروع القصيرة.
[6225]:-قال القرطبي: "هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها وخلافها ما عليه عامة المسلمين، والقراءة سنّة يأخذها آخر عن أول، وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا".
[6226]:- معنى قراءة [خلفك] بسكون اللام: أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم يبلغه الخبر. ومعنى قراءة فتح اللام: أي لمن يخلفك في أرضك، وربما كانت عبارة ابن عطية لا توضح الفرق بالدقة المطلوبة.