فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

{ نُنَجّيكَ } بالتشديد والتخفيف : نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر . وقيل : نلقيك بنجوة من الأرض . وقرىء : «ننحيك » بالحاء : نلقيك بناحية مما يلي البحر ، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر قال كعب : رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور { بِبَدَنِكَ } في موضع الحال ، أي : في الحال التي لا روح فيك ، وإنما أنت بدن ، أو ببدنك كاملاً سوياً لم ينقص منه شيء ولم يتغير ، أو عرياناً لست إلا بدناً من غير لباس ، أو بدرعك . قال عمرو بن معديكرب :

أَعَاذِلُ شكَّتِي بَدَنِي وَسَيْفِي *** وَكُلُّ مُقَلِّصٍ سَلِسُ القِيَادِ

وكانت له درع من ذهب يعرف بها . وقرأ أبو حنيفة رحمه الله : «بأبدانك » هو على وجهين : إما أن يكون مثل قولهم : هوى بأجرامه ، يعني : ببدنك كله وافياً بأجزائه . أو يريد : بدروعك كأنه كان مظاهراً بينها { لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } لمن وراءك من الناس علامة ، وهم بنو إسرائيل ، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأناً من أن يغرق . وروي أنهم قالوا : ما مات فرعون ولا يموت أبداً . وقيل : أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدّقوه ، فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه ، وكأن مطرحه كان على ممرّ من بني إسارئيل حتى قيل : لمن خلفك . وقيل : { لِمَنْ خَلْفَكَ } لمن يأتي بعدك من القرون . ومعنى كونه آية : أن تظهر للناس عبوديته ومهانته ، وأنّ ما كان يدّعيه من الربوبية باطل محال ، وأنه مع ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه عزّ وجلّ ، فما الظنّ بغيره ، أو لتكون عبرة تعتبر بها الأمم بعدك ، فلا يجترئوا على نحو ما اجترأت عليه إذا سمعوا بحالك وبهوانك على الله . وقرىء : «لمن خلقك » بالقاف : أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته . ويجوز أن يراد : ليكون طرحك على الساحل وحدك وتمييزك من بين المغرقين لئلا يشتبه على الناس أمرك ، ولئلا يقولوا لادّعائك العظمة إنّ مثله لا يغرق ولا يموت آية من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره ، وليعلموا أنَّ ذلك تعمد منه لإماطة الشبه في أمرك .