غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

قوله : { فاليوم ننجيك ببدنك } فيه أقوال منها : أن معناه نخرجك من البحر ونخلصك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ولكن بعد أن تغرق . وقوله : { ببدنك } في موضع الحال أي في الحال التي لا روح فيك وإنما أنت بدن . قال كعب : رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور ، أو المراد ببدنك كاملاً سوياً لم ينقص منه شيء ولم يتغير ، أو عرياناً لست إلا بدناً وفيه نوع تهكم كأنه قيل : ننجيك لكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك كما يقال : نعتقك أو نخلصك من السجن ولكن بعد أن تموت . وقيل : ننجيك ببدنك أي نلقيك بنجوة من الأرض وهي المكان المرتفع . وقيل : ببدنك أي بدرعك . قال الليث : البدن الدرع القصير الكمين . عن ابن عباس قال : كان عليه درع من ذهب يعرف بها فأخرجه الله من الماء مع ذلك الدرع ليعرف ، فإن صحت هذه الرواية كانت معجزة لموسى عليه السلام . وأما قوله : { لتكون لمن خلفك آية } فقيل : إن قوماً اعتقدوا في إلهيته وزعموا أن مثله لا يموت فأظهر الله تعالى أمره بأن أخرجه من الماء بصورته حتى يشاهدوه . وزالت الشبهة عن قلوبهم وكانت مطروحة على ممر من بني إسرائيل فلهذا قيل : { لمن خلفك } وقيل : إنه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والإهانة بعد ما سمعوا منه قوله : { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] ليكون ذلك زجراً للعابرين عن مثل طريقته ، ويعرفوا أنه كان بالأمس في نهاية الجلالة ثم آل أمره إلى ما آل ، فلا يجترأوا على نحو ما اجترأ عليه . وقيل : المراد ليكون طرحك بالساحل وحدك دون المغرقين آية من آيات الله للأمم الآتية ، ثم زجر هذه الأمة عن ترك النظر في الدلائل وحثهم على التأمل والاعتبار فقال { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } .

/خ92