تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

وقوله[ من م ، في الأصل : وأما قوله ] تعالى : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) قيل[ فيه بوجوه :

أحدها ][ في الأصل وم : بوجوه ] قوله : ( ننجيك ) من النجوة ، أي نلقيك على النجوة وهو مكان الارتفاع والإشراف ليراه كل أحد أنه هلك ليظهر لهم أنه لم يكن إلها على ما ادعى ، وأن[ في الأصل وم : وأما ] سائر أبدان قومه لم تلق على النجوة ، ولكن بقيت في البحر .

والثاني : قوله[ في الأصل وم : قيل ] ( ننجيك ) أي نخرجك من البحر لا نتركك فيه ( لتكون لمن خلفك آية ) .

والثالث : ( ننجيك ببدنك ) ولا نتبع بدنك روحك لأنه ذكر في القصة أنهم لما [ غرقوا هووا ][ في الأصل : هووا غرقوا ] إلى النار كقوله : ( مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نار )[ نوح : 25 ] ؛ إنه أخبر [ أنه ][ من م ، ساقطة من الأصل ] لم يهو جسده بروحه إلى النار ولكن أخرج بدنه[ في الأصل وم : بدونه ] وهوت روحه إلى النار مع سائر قومه ، ليرى جسده ، ويظهر كذبه ، ولا يشتبه أمره عليهم .

وقوله تعالى : ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) يحتمل وجهين : يحتمل ليكون هلاكك آية ، فلا يدعي أحد الربوبية والألوهية مثل ما ادعى هو ، أو يقول : ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) أي من شاهدك كذلك غريقا ملقى كان آية له .

وقوله تعالى : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) قال بعض أهل التأويل يعني أهل مكة ( عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) عن هلاك فرعون وقومه لما قالوا ( ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين )[ سبإ : 43 ] يقول هم غافلون عما أصاب أولئك ؛ إذ مثل هذا لا يفترى ، أعني هذا القصص .

ويحتمل : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) أي كثيرا منهم كانوا غافلين عما أصابهم والغفلة تكون على وجهين :

أحدهما : غفلة إعراض وعناد بعد العلم ومعرفة أن ذلك حق .

والثاني : [ غفلة ترك ][ في الأصل وم : يغفل بترك ] النظر والتفكر ، فكلا الوجهين مذموم .