معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

قوله عز وجل :{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب } بمشقة وضر . قرأ أبو جعفر : ( ( بنصب ) ) بضم النون والصاد ، وقرأ يعقوب بفتحهما ، وقرأ الآخرون بضم النون وسكون الصاد ، ومعنى الكل واحد . قال قتادة و مقاتل : بنصب في الجسد ، وعذاب في المال . وقد ذكرنا قصة أيوب ومدة ابتلائه في سورة الأنبياء عليهم السلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

{ أيوب } هو نبي من بني إسرائيل من ذرية يعقوب عليه السلام ، وهو نبي ابتلي في جسده وماله وأهله ، وسلم دينه ومعتقده ، وروي في ذلك أن الله سلط الشيطان عليه ليفتنه عن دينه ، فأصابه في ماله ، وقال له : إن أطعتني رجع مالك ، فلم يطعه ، فأصابه في أهله وولده ، فهلكوا من عند آخرهم ، وقال له : لو أطعتني رجعوا ، فلم يطعه ، فأصابه في جسده ، فثبت أيوب على أمر الله سبع سنين وسبعة أشهر ، قاله قتادة . وروى أنس عن النبي عليه السلام أن أيوب بقي في محنته ثماني عشر سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ، ولم يصبر عليه إلا امرأته . وروي أن السبب الذي امتحن الله أيوب من أجله هو : أنه دخل على بعض الملوك فرأى منكراً فلم يغيره . وروي أن السبب : كان أنه ذبح شاة وطبخها وأكلت عنده ، وجار له جائع لم يعطه منها شيئاً . وروي أن أيوب لما تناهى بلاؤه وصبره ، مر به رجلان ممن كان بينه وبينهما معرفة فتقرعاه ، وقالا له : لقد أذنبت ذنباً ما أذنب أحد مثله ، وفهم منهما شماتاً به ، فعند ذلك دعا ونادى ربه .

وقوله عليه السلام : { مسني الشيطان } يحتمل أن يشير إلى مسه حين سلطه الله عليه حسبما ذكرنا ، ويحتمل أن يريد : مسه إياه حين حمله في أول الأمر على أن يواقع الذنب الذي من أجله كانت المحنة ، إما ترك التغيير عند الملك ، وإما ترك مواساة الجار . وقيل أشار إلى مسه إياه في تعرضه لأهله وطلبه منه أن يشرك بالله ، فكان أيوب يتشكى هذا الفعل ، وكان أشد عليه من مرضه .

وقرأ الجمهور : «أني » بفتح الهمزة . وقرأ عيسى بن عمر : «إني » بكسرها .

وقوله : { أني } في موضع نصب بإسقاط حرف الجر .

وقرأ جمهور الناس : «بنُصْب » بضم النون وسكون الصاد . وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم : «بنَصَب » بفتح النون والصاد ، وهي قراءة الجحدري ويعقوب ، ورويت عن الحسن وأبي جعفر . وقرأ أبو عمارة عن حفص عن عاصم : «بنُصُب » بضم النون والصاد ، وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع والحسن بخلاف عنه ، وروى أيضاً هبيرة عن حفص عن عاصم بفتح النون وسكون الصاد ، وذلك كله بمعنى واحد ، معناه المشقة ، وكثيراً ما يستعمل النصب في مشقة الإعياء ، وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ ، والصواب أنها لغات بمعنى ، من قولهم أنصبني الأمر ونصبني إذا شق علي ، فمن ذلك الشاعر [ الطويل ]

تبغاك نصب من أميمة منصب*** . . . . . . . . . . . . . . .

ومثله قول النابغة : [ الطويل ]

كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال القاضي أبو محمد : وقد قيل في هذا البيت إن ناصباً بمعنى منصب ، وأنه على النسب ، أي ذا نصب .