معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (10)

{ وأنفقوا مما رزقناكم } قال ابن عباس : يريد زكاة الأموال ، { من قبل أن يأتي أحدكم الموت } فيسأل الرجعة ، { فيقول رب لولا أخرتني }هلا أخرتني أمهلتني . وقيل : " لا " صلة ، فيكون الكلام بمعنى التمني ، أي : لو أخرتني ، { إلى أجل قريب فأصدق } فأتصدق وأزكي مالي ، { وأكن من الصالحين } أي من المؤمنين . نظيره قوله تعالى : { ومن صلح من آبائهم }( الرعد- 23 ) ( غافر- 8 ) ، هذا قول مقاتل وجماعة . وقالوا : نزلت الآية في المنافقين . وقيل : نزلت الآية في المؤمنين . والمراد بالصلاح هنا : الحج . وروى الضحاك ، وعطية عن ابن عباس قال : ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكاته وأطلق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت . وقرأ هذه الآية . وقال : { وأكن من الصالحين } قرأ أبو عمرو وأكون بالواو ونصب النون على جواب التمني وعلى لفظ { فأصدق } وقال : إنما حذفت الواو من المصحف اختصاراً . وقرأ الآخرون : { وأكن } بالجزم عطفاً على قوله { فأصدق } لو لم يكن فيه الفاء ، لأنه لو لم يكن فيه الفاء لكان جزماً . يعني : ( إن أخرتني أصدق وأكن ) ، ولأنه مكتوب في المصحف بحذف الواو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (10)

قال جمهور من المتأولين : المراد الزكاة ، وقال آخرون : ذلك عام في مفروض ومندوب . وقوله : { يأتي أحدكم الموت } أي علاماته ، وأوائل أمره وقوله : { لولا أخرتني إلى أجل قريب } ، طلب للكرة والإمهال ، وفي مصحف أبي بن كعب : «آخرتن » بغير ياء ، وسماه قريباً لأنه آت ، وأيضاً فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط ، وليس يتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته ، وفي مصحف أبي : «فأتصدق » ، وقوله : { وأكن من الصالحين } ظاهره العموم ، فقال ابن عباس هو الحج ، وروي عنه أنه قال في مجلسه يوماً : ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته فقال له رجل : أما تتقي الله المؤمن بطلب الكرة ؟ فقال له ابن عباس : نعم ، وقرأ الآية{[11126]} .

وقرأ جمهور السبعة والناس : «وأكنْ » بالجزم عطفاً على الموضع ، لأن التقدير : «إن تؤخرني أصدق ، وأكن » ، هذا مذهب أبي علي ، فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا وهو جزم «أكن » على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني ، ولا موضع هنا ، لأن الشرط ليس بظاهر ، وإنما يعطف علىلوضع حيث يظهر الشرط كقوله تعالى : { من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم }{[11127]} [ الأعراف : 186 ] ، ونذرهم ، فمن قرأ بالجزم عطف على موضع { فلا هادي له } [ الأعراف : 186 ] ، لأنه وقع هنالك فعل كان مجزوماً ، وكذلك من قرأ : «ونكفر » بالجزم عطفاً على موضع { فهو خير لكم }{[11128]} ، وقرأها أبو عمرو وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق ، ومالك بن دينار وابن محيصن والأعمش وابن جبير وعبيد الله بن الحسن العنبري ، قال أبو حاتم ، وكان من العلماء الفصحاء : «وأكون » بالنصب عطفاً على { فأصدق } ، وقال أبو حاتم في كتبها في المصحف بغير واو ، وإنهم حذفوا الواو كما حذفوها من «أبجد » وغيره ، ورجحها أبو علي ، وفي مصحف أبيّ بن كعب وابن مسعود : «فأتصدق وأكن »


[11126]:روى الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت"، فقال رجل: يا بن عباس اتق الله، إنما سأل الرجعة الكفار، فقال سأتلو عليك بذلك قرآنا{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}..إلى قوله{والله خبير بما تعملون}، قال: فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدا، قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة.
[11127]:من الآية (186) من سورة (الأعراف).
[11128]:من الآية (271) من سورة (البقرة). هذا والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التوهم- وهو أساس الخلاف بين الفارسي وسيبويه- أن العامل في العطف على الموضع موجود دون مؤثر، والعامل على التوهم مفقود وأثره موجود، ومن هذا نرى أنه خلاف مبني على مجرد التقدير.