فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (10)

{ وَأَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم } الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه ، و «من » للتبعيض : أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير ، وقيل المراد : الزكاة المفروضة { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت } بأن تنزل به أسبابه ويشاهد حضور علاماته ، وقدّم المفعول على الفاعل للاهتمام { فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي يقول عند نزول ما نزل به منادياً لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أجل قريب : أي أمد قصير { فَأَصَّدَّقَ } أي فأتصدّق بمالي { وَأَكُن مّنَ الصالحين } قرأ الجمهور { فأصَّدَّقَ } بإدغام التاء في الصاد ، وانتصابه على أنه جواب التمني ، وقيل إن «لا » في { لولا } زائدة ، والأصل : لو أخرتني . وقرأ أبيّ وابن مسعود وسعيد بن جبير ( فأتصدّق ) بدون إدغام على الأصل . وقرأ الجمهور { وَأَكُنْ } بالجزم على محل { فأصدّق } ، كأنه قيل : إن أخرتني أتصدّق وأكن . قال الزجاج : معناه : هلا أخرتني ؟ وجزم { أكن } على موضع { فأصدق } لأنه على معنى : إن أخرتني فأصدّق وأكن . وكذا قال أبو عليّ الفارسي وابن عطية وغيرهم . وقال سيبويه حاكياً عن الخليل : إنه جزم على توهم الشرط الذي يدلّ عليه التمني ، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير :

بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابق شيئًا إذا كان جاثيا

فخفض ولا سابق عطفاً على مدرك الذي هو خبر ليس على توهم زيادة الباء فيه . وقرأ أبو عمرو وابن محيصن ومجاهد : ( وَأَكُونَ ) بالنصب عطفاً على فأصدّق ، ووجهها واضح . ولكن قال أبو عبيد : رأيت في مصحف عثمان { وأكن } بغير واو ، وقرأ عبيد بن عمير ( وأكون ) بالرفع على الاستئناف : أي وأنا أكون . قال الضحاك : لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤدّ زكاة إلاّ سأل الرجعة ، وقرأ هذه الآية .

/خ11