فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (10)

{ وأنفقوا مما رزقناكم } الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه ، وقيل : المراد الزكاة المفروضة ، ومن للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير ، وفي التبعيض بإسناد الرزق منه تعالى إلى نفسه زيادة ترغيب في الامتثال ، حيث كان الرزق له تعالى بالحقيقة ، ومع ذلك اكتفى منهم ببعضه .

{ من قبل أن يأتي أحدكم الموت } بأن تنزل عليه مقدماته وأسبابه وأماراته ، ويشاهد حضور علاماته ودلائله ، ويتعذر عليه الإنفاق ، وقدم المفعول على الفاعل للاهتمام { فيقول رب لولا أخرتني } أي يقول عند نزول ما نزل به مناديا لربه : هلا أمهلتني وأخرت موتي ، فلولا بمعنى هلا التي معناها التحضيض وتختص بما لفظه ماض ، وهو في تأويل المضارع كما هنا ، إذ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي ، أو لا زائدة ، ولولا للتمني ، وقضية كلام الكشاف أن لولا بمعنى هل الاستفهامية والأولى أولى .

{ إلى أجل } أي زمن واحد { قريب } قصير قليل بقدر ما أستدرك فيه ما فاتني { فأصدق } أي فأتصدق بمالي ، أو بالزكاة ، قرأ الجمهور بإدغام التاء في الصاد ، وانتصابه على أنه جواب التمني ، وقيل : إن لا في لولا زائدة ، والأصل لو أخرتني ، وقرئ فأتصدق بدون إدغام على الأصل { وأكن } قرأ الجمهور بالجزم على محل فأصدق ، كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن ، قال الزجاج : معناه هلا أخرتني ؟ وجزم أكن على موضع فأصدق ، لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن ، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم ، وقال سيبويه حاكيا عن الخليل : إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني ، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير :

بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فخفض ولا { سابق } عطفا على { مدرك } هو خبر ليس على توهم زيادة الباء فيه ، وقرئ وأكون بالنصب عطفا على فأصدق ، ووجهها واضح ، ولكن قال أبو عبيدة : رأيت في مصحف عثمان وأكن بغير واو ، وقرئ بالرفع على الاستئناف أي وأنا أكون .

{ من الصالحين } أي من المؤمنين ، قال ابن عباس : أحج ، وقال الضحاك : لا ينزل الموت بأحد لم يحج ولم يؤد زكاة إلا سأل الرجعة ، وقرأ هذه الآية .

" وقال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له مال يبلغه حج بيت الله ، أو تجب عليه فيه الزكاة ، فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل : يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الكافر فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا : يا أيها الذين آمنوا إلى آخر السورة " أخرجه الترمذي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحسن ابن أبي الحسن في كتاب منهاج الدين إلى قوله الموت مرفوعا