الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (10)

وكذلك قوله تعالى : { أَنفِقُواْ مِن مَّا رزقناكم } عامٌّ من المفرُوضِ والمندوبِ ؛ قاله جماعة من المفسرينَ ، قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب «عيوب النفس » : وَمِنْ عيوبِها تضييعُ أوقاتِها بالاشْتِغَالِ بما لا يَعْنِي مِنْ أُمورِ الدُّنْيا ، والخَوْضِ فيها مَعَ أهلِها ، ومُدَاوَاتُها أنْ يَعْلَمَ أنَّ وَقْتَه أعزُّ الأشياءِ فَيَشْغَلَه بِأَعَزّ الأَشْيَاءِ ، وهو ذِكْرُ اللَّهِ ، والمُدَاوَمَةُ على الطاعةِ ومطالبةُ الإخْلاَصِ من نفسهِ ؛ فإنَّه رُوِيَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُه مَا لاَ يَعْنِيهِ " وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ : عَلَيْكَ بنفسِكَ فَإنْ لَمْ تَشْغَلْها شَغَلَتْكَ ، انتهى .

وقولهُ : { لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } طَلَبٌ لِلْكَرَّةِ والإمهَالِ ، وسَمَّاه قَرِيباً لأنّه آتٍ ، وأيْضاً فإنَّما يتمنى ذلك لِيقْضِيَ فيه العملَ الصالحَ فَقَطْ وليس يتَّسِعُ الأَمَلُ حينئذٍ لِطَلَبِ العَيْشِ ونضرته . وقوله : { وَأَكُن مِّنَ الصالحين } ظاهرَه العمُومُ ، وقال ابن عباس : هو الحج وَرَوَى الترمذيُّ عنه أنَّه قال : مَا مِنْ رَجُلٍ لاَ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلاَ يَحُجُّ إلاَّ طَلَبَ الْكَرَّةَ عِنْدَ مَوْتِهِ ، قَال الثعلبيُّ : قَال ابن عباس : { إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } يريدُ مِثْلَ آجالِنَا في الدنيا ، انتهى ، وقرأ أبو عمرو : ( وَأَكُونَ ) .