قوله تعالى : { فأتياه فقولا إنا رسولا ربك } أرسلنا إليك { فأرسل معنا بني إسرائيل } أي : خل عنهم وأطلقهم من أعمالك { ولا تعذبهم } لا تتعبهم في العمل وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة { قد جئناك بآية من ربك } قال فرعون : وما هي ؟ فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس { والسلام على من اتبع الهدى } ليس المراد منه التحية ، إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم .
{ فائتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل } أطلقهم . { ولا تعذبهم } بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان ، فإنهم كانوا في أيدي القبط يستخدمونهم ويتعبونهم في العمل ويقتلون ذكور أولادهم في عام دون عام ، وتعقيب الإتيان بذلك دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان ، ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة { قد جئناك بآية من ربك } جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة ، وإنما وحد الآية وكان معه آيتان لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا الإشارة إلى وحدة الحجة وتعددها ، وكذلك قوله { قد جئتكم ببينة } ، { فائت بآية } ، { قال أولو جئتك بشيء مبين } . { والسلام على من اتبع الهدى } وسلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين أو السلامة في الدارين لهم .
الإتيان : الوُصول والحلول ، أي فحُلاّ عنده ، لأنّ الإتيان أثر الذهاب المأمور به في الخطاب السابق ، وكانا قد اقتربا من مكان فرعون لأنهما في مدينته ، فلذا أمِرا بإتيانه ودعوته .
وجاءت تثنية رسول على الأصل في مطابقة الوصف الذي يجري عليه في الإفراد وغيره .
وفَعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة ، كقولهم ناقة طروقَة الفَحل ، وعدم المطابقة كقولهم : وَحشية خلوج ، أي اختُلج ولدُها . وجاء الوجهان في نحو ( رسول ) وهما وجهان مستويان . ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء ( 16 ) : { فأتِيا فرعون فقولا إنا رسولُ ربّ العالمين } وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله .
وأدخل فاء التفريع على طَلب إطلاق بني إسرائيل لأنّه جعل طلب إطلاقهم كالمستقرّ المعلوم عند فرعون ؛ إما لأنّه سبقت إشاعَة عزمهما على الحضور عند فرعون لذلك المطلب ، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرّر . وتفريع ذلك على كونهما مرسلَيْن من الله ظاهر ، لأنّ المرسل من الله تجب طاعته .
وخصّا الربّ بالإضافة إلى ضمير فرعون قصداً لأقصى الدعوة ، لأنّ كون الله ربّهما معلوم من قولهما { إنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } وكونه ربّ الناس معلوم بالأحْرى لأنّ فرعون علّمهم أنه هو الرب .
والتعذيب الذي سألاه الكفّ عنه هو ما كان فرعون يسخّر له بني إسرائيل من الأعمال الشاقّة في الخدمة ، لأنه كان يعُدّ بني إسرائيل كالعبيد والخول جزاء إحلالهم بأرضه .
وجملة { قَدْ جئناك بِآيَةٍ مِن رَبّك } فيها بيان لجملة { إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } فكانت الأولى إجمالاً والثانية بياناً . وفيها معنى التعليل لتحقيق كونهما مرسلَيْن من الله بما يظهره الله على يد أحدهما من دلائل الصدق . وكلا الغرضين يوجب فصل الجملة عن التي قبلها .
واقتصر على أنهما مصاحبان لآيةٍ إظهاراً لكونهما مستعدّيْن لإظهار الآية إذا أراد فرعون ذلك . فأما إن آمن بدون احتياج إلى إظهار الآية يكن إيمانه أكمل ، ولذلك حكي في سورة الأعراف ( 16 ) قول فرعون : { قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين } وهذه الآية هي انقلاب العصا حيّة ، وقد تبعتها آيات أخرى .
والاقتصار على طلب إطلاق بني إسرائيل يدلّ على أن موسى أُرسل لإنقاذ بني إسرائيل وتكوين أمّة مستقلّة ؛ بأن يبثّ فيهم الشريعة المصلحة لهم والمقيمة لاستقلالهم وسلطانهم ، ولم يرسل لخطاب القبط بالشريعة ومع ذلك دعا فرعون وقومه إلى التوحيد لأنه يجب عليه تغيير المنكر الذي هو بين ظهرانيه .
وأيضاً لأنّ ذلك وسيلة إلى إجابته طلب إطلاق بني إسرائيل . وهذا يؤخذ مما في هذه الآية وما في آية سورة الإسراء وما في آية سورة النازعات والآيات الأخرى .
والسّلام : السلامة والإكرام . وليس المراد به هنا التحيّة ، إذ ليس ثَمّ معيّن يقصد بالتحيّة . ولا يراد تحيّة فرعون لأنها إنما تكون في ابتداء المواجهة لا في أثناء الكلام ، وهذا كقول النبي في كتابه إلى هرقل وغيره : أسلمْ تَسْلَمْ .
و ( على ) للتمكّن ، أي سلامة من اتبع الهدى ثابتة لهم دون ريب .
وهذا احتراس ومقدمة للإنذار الذي في قوله إنَّا قد أُوحِي إلينا أنَّ العَذابَ على مَن كَذَّبَ وتولَّى } ، فقوله : { والسلام على من اتّبع الهدى } [ طه : 47 ] تعريض بأن يطلب فرعون الهدى الذي جاء به موسى عليه السلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.