قوله : " فَأتِيَاهُ " أعاد التكليف المتقدم فقال : { فأتِيَاهُ فَقُولاَ لَهُ }{[24570]} وذلك أنه{[24571]} تعالى قال{[24572]} أولاًَ { اذهب إلى فِرْعَوْنَ }{[24573]} وثانياً قال{[24574]} : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ }{[24575]} .
وقال ثالثاً{[24576]} : { اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ }{[24577]} . ورابعاً ( قال هاهنا " فَأتِيَاهُ " . {[24578]} ){[24579]} .
فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له " قَوْلاً لَيِّناً " {[24580]} ، وهاهنا أمرهما{[24581]} بأن{[24582]} يقولا { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } وفي هذا تغليظ من وجوه :
الأول : " إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ " ){[24583]} وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما ، وذلك يعظم على الملك المتبوع .
والثاني{[24584]} : قوله : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ } فيه إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم .
والثالث{[24585]} : نهيهم له بقولهم : " وَلاَ تُعَذِّبهُمْ " .
والرابع : قوله{[24586]} : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } .
فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً ؟
فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر{[24587]} اللجاجة{[24588]} فلا بد له من التغليظ .
فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولاَ رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم ، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه ؟
فالجواب : بل هذا أولى ، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز{[24589]} .
قوله : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } مجرى البيان والتفسير ، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا بينتهما التي هي مجيء{[24590]} الآية{[24591]} .
فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين ، وهما العصا واليد ثم قال : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي }{[24592]} ، وذلك يدل على ثلاث{[24593]} آيات وقال{[24594]} هاهنا { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ } ، وذلك يدل على أنها كانت واحدة ( فكيف الجمع ){[24595]} ؟
أجال القفال{[24596]} : بأن معنى{[24597]} الآية هاهنا الإشارة{[24598]} إلى جنس الآيات كأنه قال : جئْنَاك ببيان من عند الله . ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة{[24599]} .
وقال غيره{[24600]} : المراد في هذا الموضوع{[24601]} تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال{[24602]} :
قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }{[24603]} ، وقوله : { فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين }{[24604]} وقوله : { أَوَلَوْ{[24605]} جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ{[24606]} }{[24607]} .
وتقدم الجواب عن التثنية والجمع ، وأن في العصا واليد آيات{[24608]} .
قوله : { والسلام على مَنِ اتبع الهدى } يحتمل أن يكون تسليماً منهما ولم يؤمرا به ، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب{[24609]} قال بعضهم : إنَّ ( عَلَى ) بمعنى ( اللام ) أي والسلام لمن اتبع الهدى{[24610]} كقوله تعالى{[24611]} : { لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار }{[24612]} أي : عليهم اللعنة{[24613]} ، وقال تعالى : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا }{[24614]} وقال{[24615]} :
{ إِنْ{[24616]} أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }{[24617]} .
وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له{[24618]} من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام بمعنى السلامة ، كما يقال : رضاع ورضاعة .
وقيل : هذا من كلام الله تعالى كأنه قال : " فَقُولاَ إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ وَقُولاَ لَهُ{[24619]} والسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى " {[24620]} ، وليس المراد منه التحية إنما معناه سَلِم من عذاب الله من أسلم{[24621]} .
قوله{[24622]} : { أرسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائيلَ } خلِّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك " وَلاَ تُعَذِّبهُم " لا تتعبهم في العمل ، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.