اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَٰكَ بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكَۖ وَٱلسَّلَٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلۡهُدَىٰٓ} (47)

قوله : " فَأتِيَاهُ " أعاد التكليف المتقدم فقال : { فأتِيَاهُ فَقُولاَ لَهُ }{[24570]} وذلك أنه{[24571]} تعالى قال{[24572]} أولاًَ { اذهب إلى فِرْعَوْنَ }{[24573]} وثانياً قال{[24574]} : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ }{[24575]} .

وقال ثالثاً{[24576]} : { اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ }{[24577]} . ورابعاً ( قال هاهنا " فَأتِيَاهُ " . {[24578]} ){[24579]} .

فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له " قَوْلاً لَيِّناً " {[24580]} ، وهاهنا أمرهما{[24581]} بأن{[24582]} يقولا { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } وفي هذا تغليظ من وجوه :

الأول : " إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ " ){[24583]} وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما ، وذلك يعظم على الملك المتبوع .

والثاني{[24584]} : قوله : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ } فيه إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم .

والثالث{[24585]} : نهيهم له بقولهم : " وَلاَ تُعَذِّبهُمْ " .

والرابع : قوله{[24586]} : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } .

فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً ؟

فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر{[24587]} اللجاجة{[24588]} فلا بد له من التغليظ .

فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولاَ رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم ، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه ؟

فالجواب : بل هذا أولى ، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز{[24589]} .

قوله : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } مجرى البيان والتفسير ، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا بينتهما التي هي مجيء{[24590]} الآية{[24591]} .

فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين ، وهما العصا واليد ثم قال : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي }{[24592]} ، وذلك يدل على ثلاث{[24593]} آيات وقال{[24594]} هاهنا { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ } ، وذلك يدل على أنها كانت واحدة ( فكيف الجمع ){[24595]} ؟

أجال القفال{[24596]} : بأن معنى{[24597]} الآية هاهنا الإشارة{[24598]} إلى جنس الآيات كأنه قال : جئْنَاك ببيان من عند الله . ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة{[24599]} .

وقال غيره{[24600]} : المراد في هذا الموضوع{[24601]} تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال{[24602]} :

قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }{[24603]} ، وقوله : { فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين }{[24604]} وقوله : { أَوَلَوْ{[24605]} جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ{[24606]} }{[24607]} .

وتقدم الجواب عن التثنية والجمع ، وأن في العصا واليد آيات{[24608]} .

قوله : { والسلام على مَنِ اتبع الهدى } يحتمل أن يكون تسليماً منهما ولم يؤمرا به ، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب{[24609]} قال بعضهم : إنَّ ( عَلَى ) بمعنى ( اللام ) أي والسلام لمن اتبع الهدى{[24610]} كقوله تعالى{[24611]} : { لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار }{[24612]} أي : عليهم اللعنة{[24613]} ، وقال تعالى : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا }{[24614]} وقال{[24615]} :

{ إِنْ{[24616]} أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }{[24617]} .

وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له{[24618]} من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام بمعنى السلامة ، كما يقال : رضاع ورضاعة .

وقيل : هذا من كلام الله تعالى كأنه قال : " فَقُولاَ إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ وَقُولاَ لَهُ{[24619]} والسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى " {[24620]} ، وليس المراد منه التحية إنما معناه سَلِم من عذاب الله من أسلم{[24621]} .

قوله{[24622]} : { أرسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائيلَ } خلِّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك " وَلاَ تُعَذِّبهُم " لا تتعبهم في العمل ، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة .


[24570]:له سقط من ب.
[24571]:في ب: لأنه.
[24572]:قال: سقط من ب.
[24573]:[طه: 24].
[24574]:قال: سقط من ب.
[24575]:[طه: 42].
[24576]:في ب: وثالثا قال: وفي الأصل: وقال ثالثا قال.
[24577]:[طه: 43].
[24578]:انظر الفخر الرازي 22/60.
[24579]:ما بين القوسين في ب: قال أتياه.
[24580]:من قوله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 44].
[24581]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/61، بتصرف يسير.
[24582]:في ب: أن.
[24583]:ما بين القوسين سقط من ب.
[24584]:في ب: الثاني.
[24585]:في ب: الثالث.
[24586]:قوله: سقط من ب.
[24587]:في ب: ظهر.
[24588]:لج في الأمر: تمادى عليه وأبى أن يتصرف عنه.
[24589]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/61. بتصرف يسير.
[24590]:في الأصل: مجرى. وهو تحريف.
[24591]:الكشاف 2/435.
[24592]:[طه: 42].
[24593]:في الأصل: الثلاث.
[24594]:قال: سقط من ب.
[24595]:ما بين القوسين سقط من ب.
[24596]:في ب: فالجواب قال القفال.
[24597]:في ب: على معنى. وهو تحريف.
[24598]:في الأصل: إشارة.
[24599]:انظر الفخر الرازي 22/61.
[24600]:هو الزمخشري. الكشاف 2/435.
[24601]:في ب: المعنى.
[24602]:في النسختين: قيل.
[24603]:[الأعراف: 105].
[24604]:من قوله تعالى: {ما أنت إلا بشر مثلنا فـأت بآية إن كنت من الصادقين} [الشعراء: 154] وفي ب: {فأت بها إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 106].
[24605]:في الأصل: ولو. وهو تحريف.
[24606]:من قوله تعالى: {قال أو لو جئتك بشيء مبين} [الشعراء: 30].
[24607]:الكشاف 2/435.
[24608]:تقدم قبل صفحات.
[24609]:انظر البحر المحيط 6/246 – 247.
[24610]:قال الفراء: (وقوله: "والسلام على من اتبع الهدى" يريد: والسلام على من اتبع الهدى، ولمن اتبع الهدى سواه) معاني القرآن 2/180.
[24611]:تعالى: سقط من الأصل.
[24612]:[الرعد: 25].
[24613]:اللعنة: سقط من ب.
[24614]:من قوله تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلاّم للعبيد} [فصلت: 46].
[24615]:في ب: وقوله.
[24616]:في ب: فإن.
[24617]:[الإسراء: 7].
[24618]:له: سقط من الأصل.
[24619]:في ب: ولا إله. وهو تحريف.
[24620]:قال الفراء: (قال أمر موسى أن يقول لفرعون والسلام على من اتبع الهدى) معاني القرآن 2/180.
[24621]:قال الزجاج: (وقوله: {والسلام على من اتبع الهدى} ليس يعني به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه، والدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس ابتداء لقاء وخطاب) معاني القرآن وإعرابه 3/358.
[24622]:في ب: وقوله.